يتابع جيمس سميث أستاذ دراسات التنمية فى جامعة إدنبرة، فى كتاب «الوقود الحيوى وعولمة المخاطر»: التغير الأكبر فى العلاقات بين الشمال والجنوب منذ الاستعمار، والذى نقلة إلى العربية، فتح الله الشيخ وأحمد السماحى، والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٧ بقوله: لدينا علاقة تاريخية بها مشاكل بعض الشىء بين إنتاج الغذاء وتأثير التكنولوجيا، وقد حدد كاتب مثل كارل بولانى فى كتابه «التحول العظيم المخاطر»، خاصة بالنسبة إلى الفقراء، الناجمة عن الميكنة الزراعية والابتكارات التكنولوجية بالترافق مع «نزوات» السوق، وقد كتب فى ١٩٤٤: «المصدر الفعلى للمجاعات فى الخمسين سنة الأخيرة، هو الأسواق الحرة للحبوب مصحوبًا بعجز الدخول المحلية»، وقبل ذلك بثلاثين عامًا حللت «روزا لوكسمبرج» التوترات بين رأس المال ونظم الإنتاج المحلية الناتج من اندماج الفلاحين فى آسيا وأفريقيا فى السوق العالمية فى أواخر القرن التاسع عشر، وليس هناك عمليات جديدة الآن استهدفها الاستثمار فى الوقود الحيوى.
وأكثر حداثة من ذلك، لعلنا نتذكر الثورة الخضراء فى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، والتى بحثت فى التعامل مع تهديد الجوع فى جنوب وجنوب شرق آسيا، وفى أماكن أخرى بتصور علاقة خطية بين إنتاج الطعام واستهلاكه وبين المنظور الغائى حول كيفية اكتساح التكنولوجيا والمقاربات الجديدة للعالم من خلال ابتكاراتها.
اتجه أمارتيا سن فى مقارنة الإبداعية إلى صميم المشكلة بأن تساءل لماذا كان الناس جائعين بدلًا من كيف كانوا جائعين؟ فوجود الغذاء لا يضمن استهلاك سعرات أكثر من أى زيادة فى إنتاجية التجارب الحقلية التى تعد بوفرة المحصول فى أجزاء أخرى من العالم، وقد بين كيف أن مقدرة الناس فى الحصول على الغذاء مقيدة بمقدرتهم على خلق حزمة من «الاستحقاقات» الذى يمكن مبادلته بالغذاء، ويمكن للاستحقاقات مثلًا، أن تمثل رأس المال، أو بيع جهد المرء للعمل أو بيع مقدرته الخاصة على زراعة المحاصيل، وهكذا فالقدرة على إتاحة الغذاء يجب أن تفهم كنتيجة تفاعل ما بين أنظمة وأسواق وأنظمة اجتماعية وسياسية وظروف بيئية مختلفة مثلًا، ويشير ذلك إلى الحاجة لإدراك أكثر اختلافًا لنظم الغذاء.
وتأثيرات إنتاج الوقود الحيوى على الماء مثيرة للاهتمام بشكل آخر، وتتطلب المحاصيل المختلفة فى الأماكن المختلفة كميات مختلفة من المياه، وهى فى حد ذاتها مصدر شحيح فى كثير من المناطق حيث تزرع محاصيل الوقود الحيوى، ويتطلب إنتاج لتر واحد من الإيثانول الحيوى ١١٥٠ لترًا من مياه الرى فى البرازيل، وأكثر من ذلك بثلاث مرات فى الهند. وتلوث المياه أمر آخر مثير للقلق من حيث إفراز الكيماويات الداخلة فى إنتاج المواد الأولية، وخاصة التلوث بالمبيدات الذى قد يمثل أضرارًا صحية للناس الذين يقيمون فى اتجاه مجرى النهر أو المشتغلين فى إنتاج الوقود الحيوى، كما أن له تضمينات بيئية بعيدة المدى.
ويهدد الوقود الحيوى الدول النامية ومواطنيها بتكبيلهم برباط ثلاثى غير قابل للاختراق. الأول، فشل الوقود الحيوى فى تقليل انبعاثات غازات الصوبة الزجاجية قد يسبب فى أعظم التهديدات للناس فى الدول النامية، حيث إنهم سيعانون من أعظم التأثيرات العكسية لظاهرة الاحترار العالمى المتواصلة، والثانى، ويقوم تطوير الوقود الحيوى على منطق وانتشار سلاسل التغذية الزراعية العالمية القائمة، والتى تتسبب فى تراكم المخاطر الكامنة فى عملية الإنتاج والربح فى عملية التجهيز والنقل، والثالث، تضع سياسة الوقود الحيوى مسئولية التحكم فى انبعاثات غازات الصوبة الزجاجية على أولئك الذين لم يكونوا مسئولين وما زالوا غير المسئولية عن إنتاج نصيب متساو من تلك الغازات ورباط المخاطرة هذا والمسئولية والآثار غير عادل بالمرة، ولا يمكن أن يكون مستدامًا أو عادلًا، وهو يردد صدى الماضى لخلق الاستعمار لعلاقات جديدة وجيل من عدم المساواة، ويؤكد على الحاضر، حيث يوجد التطور الفائق والتطور المتدنى جنبًا إلى جنب.
إن أهمية كتاب جيمس سميث أستاذ دراسات التنمية فى جامعة إدنبرة، يؤكدها تحذير نحو ١٥ ألف عالم ينتمون إلى ١٨٤ دولة، من تصاعد التهديدات المحدقة بكوكب الأرض بسبب عدم كفاية الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على البيئة والأنظمة البيئية. ودق ناقوس الخطر الجديد، يأتى بعد ٢٥ عاما على أول تحذير مماثل أطلقة علماء معظمهم من الحائزين على جائزة نوبل، فى بيان حمل عنوان «تحذير من علماء العالم للبشرية». وكانت منظمة «اتحاد العلماء القلقين» نجحت عام ١٩٩٢ فى جمع ١٧٠٠ توقيع للبيان، الذى أكد أن أثر النشاط البشرى على الطبيعة يمكن أن يسبب «معاناة كبرى للإنسان» و«تشويه الأرض بشكل لا يمكن إصلاحه». بعد ربع قرن، عاد العلماء لإصدار بيان جديد مماثل أطلقوا علية اسم «التحذير الثانى». وأشار التحذير إلى أن توفر مياه الشرب وقطع الغابات وانحسار عدد الحيوانات الثديية، وانبعاث الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، كلها صارت عند مستوى الخط الأحمر.