الثلاثاء 18 مارس 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

المتاجرة السياسية بدم الشهداء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الوقت الذي توصف فيه الثورة المصرية أنها ثورة سلمية مدنية ملتزمة ومتزنة في فعلها الثوري، (وذلك على الرغم من وقوع حوالي 1200 شهيد، وهو ما يقل بالمناسبة عن عدد الشهداء في ثورة 1919، أو حصيلة عدد شهداء الطرق والمواصلات في أقل من شهر). تأتي المتاجرة بدم الشهداء، مرة أخرى من قمة هرم السلطة التنفيذية؛ لتبرير وتمرير إعلان دستوري أقل ما يقال عنه إنه إعلان “,”مشبوه“,”، يدرس لأكثر النظم الاستبدادية في العالم من حيث الفحوى والمضمون، وطريقة الإصدار.
في الواقع، يتم استخدام دم الشهداء من قبل العديد من القوى السياسية والحزبية، ومن مؤسسات الدولة -حتى المنتخب منها- للتغطية على إخفاقاتها في قدرتها على الاستجابة لمطالب الثورة خاصة، وعموم المصريين عامة. وللتدليل أكثر على كيفية استخدام دم الشهداء للمتاجرة السياسية والانتخابية، نتناول ما حدث في مجلس الشعب السابق، ومؤسسة الرئاسة مؤخرًا.
ففي مجلس الشعب المنحل، قام أعضاء من حزب الحرية والعدالة بالمتاجرة والمزايدة على ممثلي الأحزاب الأخرى، خاصة “,”النور“,”، حينما طالبوا بالقصاص للشهداء ودفع التعويضات الخاصة بذويهم، فكانت المزايدة بزيادة تعويضات أسر الشهداء والمصابين من 30 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه.
وقام بتشكيل لجان تقصي حقائق عن موضوع قتل وإصابة المتظاهرين السلميين والتي امتد عملها لواقعة إستاد بور سعيد، ولجنة أخرى لتفقد المتظاهرين في محيط وزارة الداخلية واستطلاع ومواجهة إذا ما كانوا قد تعرضوا للضرب بالخرطوش، ودعوة لجنة مشتركة من لجان الدفاع والأمن القومي وحقوق الإنسان والشباب والصحة لمواجهة تداعيات الأحداث الدامية في محيط وزارة الدفاع. واللافت للنظر في كل هذه اللجان أنها لم تقدم دليلاً واحدًا عن من قتل الشهداء!!
وعلى مستوى التشريع، فرغم أن أداء المجلس هنا يتسم بالنجاح مقارنة بالأداء الرقابي، فإن هذا النجاح ظل محدودًا، حيث وعد المجلس بمراجعة كل التشريعات التي أقرها العسكري، ولم يفعل، وقد تجاهل المجلس مراجعة القانون رقم 2 لسنة 2012 والذي يبيح التصالح مع الفاسدين من سارقي ثروات الشعب، خاصة المستثمرين. كما وقف المجلس عاجزًا أمام القضايا الاجتماعية التي تهم جموع الشعب المصري والتي ثار من أجلها؛ ففشل في مناقشة قضية البطالة، والتأمين الصحي، ومشاكل الوقود والسولار، والبنزين، وأنابيب البوتاجاز.
والخلاصة، أن الفترة القصيرة من عمر البرلمان تبدو -في تصوري- كافية لتقييم مدى صلابة موقف البرلمان والتزامه بجدول أعمال الثورة المصرية من عدمه، لا سيما أن هذا البرلمان بدا عاجزًا أو ضعيفًا أمام عدد من الاختبارات الصعبة في مواجهة بعض القضايا المهمة والمفصلية التي فرضت نفسها على الساحة السياسية؛ ليس فقط لأن طريقة معالجة هذه القضايا ستحدد مسار العملية السياسية برمتها، ولكن لأن مواقف النواب
-لا سيما نواب الأغلبية تجاه هذه القضايا- أظهرت أنهم أكثر حرصًا على الحفاظ على مكتسباتهم الحزبية وعدم الرغبة في المواجهة أو الصدام مع المجلس العسكري من حرصهم على الالتزام بالعمل على تنفيذ أهداف الثورة أو القصاص للشهداء.
أما على صعيد مؤسسات الرئاسة، فالرئيس مرسي، شخصيًّا، لم يستخدم دم الشهداء في حملته الانتخابية فقط، ولكن أيضًا بعد توليه سدة الحكم في كل خطبه النارية أمام جموع الشعب المصري، وأخيرًا، وليس آخرًا، في إصداره الإعلان الدستوري “,”المشبوه“,”؛ ليقوم بتحصين قراراته السابقة واللاحقة، في مفارقة لم تحدث في تاريخ العالم، والذي جاء في مادته الأولى: إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين، وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة قيادات النظام السابق؛ وذلك وفقًا لقانون “,”حماية الثورة“,”، الذي اشترطت المادة الثانية منه أن تعاد المحاكمات في حال ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة متصلة بالوقائع سبق إحالتها إلى القضاء، ومن ثم كان يستطيع الرئيس استخدام سلطة التشريع فقط، التي يمتلكها بالفعل، لإعادة المحاكمات؛ مما يؤكد أن هناك نيه مبيتة ليس فقط لاغتيال السلطة القضائية، لكن تحصينه لمجلس الشورى والجمعية التأسيسية بعد توالي الانسحابات من قبل القوى المدنية.
وقد يقول قائل إن الدكتور مرسي يستند إلى الشرعية الثورية أو إلى حالة الضرورة، فمردود عليه من حيث الشرعية الثورية بأن مرسي لا يملك أية شرعية ثورية، ولم يأت للحكم على قاعدة الشرعية الثورية، وإنما جاء وتولى رئاسة الجمهورية على شرعية دستورية مؤقتة أسس لها المجلس العسكري بوصفه سلطة حكم على قاعدة الشرعية الثورية لإدارة المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011 لحين وضع دستور دائم للبلاد . ومن حيث حالة الضرورة، فإنه فليست هناك حالة ضرورة تبرر هذا التعدي الغاشم على السلطة القضائية والتوغل فيها لغلِّ يدها عن إعمال الرقابة على قراراته وقوانينه وتحصينها بهذا الشكل الفج الذي لم يسبقه إليه أي ديكتاتور .
ونافلة القول: إن الشهداء البررة عندما خرجوا إلى الشوارع والميادين في مختلف محافظات مصر، لم يعلموا بأنهم سيصبحون ورقة يستخدمها النظام الجديد لتكريس حكم سلطوي، لا نظير له لا في العالم القديم ولا الجديد؛ إذ لا يوجد في العالم -حتى في أكثر النظم الاستبداية- رئيس يملك في قبضة يده السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)؛ ومن ثم فإن الدكتور محمد مرسي وضع نفسه وثورة 25 يناير معه في إشكالية كبرى، والتي تتمثل في أن الثورة المصرية التي قامت من أجل تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة والحد من اختصاصات رئيس الجمهورية، هي بذاتها الثورة التي تضع وتكرس –عن طريق الإعلان الدستوري المشبوه- جميع الاختصاصات في يد فرد واحد، وهو أيضًا رئيس الجمهورية.