منذ اللحظة الأولى التى أعلن فيها وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى الدكتور طارق شوقى ملامح النظام التعليمي الجديد، وحتى آخر حواراته الصحفية والتليفزيونية، لم يشر من قريب أو بعيد إلى الطلاب من ذوى الإعاقة، وما إذا كان النظام الجديد سيشملهم أم لا؟!.
كل تصريحات الوزير تركزت على إعادة تأهيل المدارس الحكومية وإمدادها ببنية تكنولوجية تحتية حتى تكون مستعدة لتطبيق النظام الجديد الذى يعتمد على استخدام الطالب للتكنولوجيا الحديثة فى تلقى العلم والبحث عن المعرفة من خلال جهاز «التابلت».
الواقع أن مدارس التربية الخاصة التابعة لوزارة التربية والتعليم والتى تضم آلاف الطلاب من ذوي الإعاقات البصرية والسمعية والذهنية خارج نطاق عمل المنظومة الجديدة، وليس من سبب واحد يفسر تجاهل وزير التربية والتعليم لهذه الفئة، عندما شرع فى وضع استراتيجية جديدة للتعليم.
الدستور المصرى كان واضحًا وصريحًا كفاية فى النص على منع كل أشكال التمييز بين المواطنين المصريين على أساس العقيدة أو الجنس أو اللون أو العرق أو الإعاقة، ما يعنى أن الدكتور شوقى وفريق عمله كان ملزمًا بوضع تصور علمى ومنهجى يشمل مدارس ذوى الإعاقة لتطبيق النظام الجديد.
حتى الآن وطبقًا للدكتورة إنجى مشهور مستشار وزير التعليم لشئون ذوى الإعاقة لا يوجد مدى زمنى معلوم يبدأ معه تطبيق نظام التعليم الجديد فى مدارس ذوى الإعاقة ما يؤكد أن هذه الفئة قد سقطت من حسابات دكتور طارق شوقي.
الغريب أن إرهاصات صياغة النظام التعليمى الجديد بدأت تقريبًا مع استعدادات مؤسسة الرئاسة لإعلان عام 2018 عامًا لذوى الإعاقة، وهو ما يفترض منطقيًا أن تكون أولى الاستجابات للمبادرة الرئاسية بشأن ذوى الإعاقة من جانب المجلس أو الهيئة المعنية بإعداد استراتيجية تعليم جديدة.
وفقًا للدكتورة إنجى مشهور لم يطرأ أى تحديث أو تغيير على مناهج مدارس التربية الخاصة منذ عقود طويلة، وأنها بحاجة إلى إعادة صياغة، وهو ما شرعت الوزارة فى العمل من أجله دون أن توضح آليات محددة، لكن على ما يبدو أنه قد غاب عن مستشار وزير التعليم أن مناهج مدارس المكفوفين هى ذاتها التى يتم تدريسها فى باقى المدارس، ولو حدث تغيير ما فى مادة أو أخرى يتم ترحيل المنهج الجديد إلى العام التالى لحين تتمكن مطابع «البرايل» من طباعة الكتب الدراسية الجديدة.
الأدهى من ذلك أن وزير التربية والتعليم لم يتطرق على الإطلاق إلى مراعاة تصميم بنك المعرفة المصرى على نحو يمكن الطلاب المكفوفين من التفاعل معه وهى مسألة من الناحية الفنية ليست صعبة خاصة أن أغلب المكفوفين باتوا يعتمدون على برامج ناطقة تستطيع قراءة كل شئ مكتوب بجميع اللغات، وأن هذه البرامج متوفرة منذ أكثر من عشر سنوات بأجهزة الكمبيوتر، ومنذ بضع سنوات على أجهزة المحمول.
طبقًا للرئيس عبدالفتاح السيسى يستطيع كل مصرى يمتلك هاتفًا محمولًا الاستفادة من بنك المعرفة، الأمر الذى يعنى أن الطلاب المكفوفين يستطيعون التعامل معه إذا تم مراعاة تصميمه ببرامج تقوم بشرح محتوى الصور ليصبح على الكفيف فقط قراءة المحتوى المكتوب بمساعدة البرنامج الناطق، إلا إذا كان وزير التعليم ومستشاره لذوى الإعاقة ليسا على علم بما وفرته التكنولوجيا للمكفوفين.
وعن تجربة شخصية كونى واحدًا من ملايين المكفوفين الذين مكنتهم البرامج الناطقة من الاعتماد على أنفسهم فى قراءة ومطالعة كل الصحف والكتب المتاحة بنظام «الوورد» (أى الكلمات المكتوبة)، تمكنت من دخول بنك المعرفة وقراءة كل المحتوى المكتوب به من خلال البرنامج الناطق الموجود على جهاز المحمول وقد أحتاج إلى شئ من التدريب والتعليم حتى أتمكن من تصفح أقسام البنك إلى جانب برامج تمكننى من قراءة وصف لمحتوى الصور الموجودة.
المؤكد أن طلاب الـ«كى جى 1» وصفى الأول الابتدائى والثانوى قادرون على الانخراط فى هذا النظام بشرط تأهيل وإعداد المدرسين العاملين بمدارس المكفوفين الذين لم يشملهم برنامج الوزارة لإعداد المعلم قبل تطبيق هذا النظام.
أتصور أنه من السهولة بمكان عمل نفس الشئ مع الطلاب من ذوى الإعاقة السمعية بتوفير برامج ذكاء اصطناعى تستطيع ترجمة المحتوى المكتوب إلى لغة الإشارة، وإن كان الأمر سيكون أسهل إذا قامت الوزارة بواجبها تجاه مدارس الأمل الخاصة بهم، بإخضاع معلميها لدورات تدريبية لتعلم لغة الإشارة حتى يتمكنوا من أداء واجبهم فى تعليم هؤلاء الطلاب القراءة والكتابة.
ولا يوجد سببًا واحدًا يفسر تخرج أغلب ذوى الإعاقة السمعية فى مدارس الأمل دون إجادة القراءة والكتابة إلا تقاعس الوزارة وإهمالها.
ومع ذلك قام المجلس القومى لشئون الإعاقة بإعداد برنامج يسهل عملية تعليم القراءة والكتابة للطلاب الصم، وحتى الآن لم تلتفت وزارة التعليم إلى هذا الإنجاز وبوسعها لو أرادت الاستفادة بخبرة المجلس القومى لشئون الإعاقة فى هذا المجال، ومرة أخرى لا يوجد سبب واحد يفسر تجاهل الوزارة للخبرات الموجودة داخل هذا المجلس والتى ستمكنها حتمًا من تطبيق مبدأ المساواة والعدالة بين جميع المصريين بدمج الطلاب ذوى الإعاقة داخل النظام التعليمى الجديد.
الأكثر من هذا بوسع «القومى للإعاقة» بما لديه من إمكانات وخبرات وضع برنامج معين يمكن الطلاب من ذوى الإعاقة الذهنية من الاستفادة بمحتوى يعد خصيصًا لهم داخل بنك المعرفة المصري، لاسيما وأن هناك نماذج كثيرة ابتكرت وأبدعت فى مجال الحاسب الآلي، منها على سبيل المثال فتاة متلازمة «الداون» رانيا صالح التى تمكنت من الحصول على دورة «icdl» منذ سنوات بعيدة ونجحت فى ابتكار برامج لتعليم الحروف للأطفال غير المعاقين، وحصلت على جوائز دولية وإقليمية ومحلية بفضل والدها «الكهربائي» عم صالح.
قبل نحو عام أصدرت وزارة التربية والتعليم القرار رقم 252 لدمج الطلاب ذوى الإعاقة دون أن يكون لديها تصور مبدئى لأسلوب دمجهم مع نظام التعليم الجديد ودون أن تضع خطة لتوعية الرأى العام بهذه المسألة وحتى دون أن تنظر إلى تجارب محلية قبل الدولية والمتمثلة فى المعاهد الأزهرية التى يجلس فى صفوفها الطلاب المكفوفين إلى جانب أقرانهم.
وزير التعليم مدعو للاستفادة من تجربة وخبرة عم صالح مع ابنته رانيا ليعرف السبيل لاستثمار مبادرة الرئيس بتمكين ذوى الإعاقة تكنولوجيًا من أجل تخريج أجيال قادرة على الالتحاق بسوق العمل بغض النظر عن نسبة الـ5%.