الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة موضوعية لأحداث المنيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلاكيت، لمرات تعب المرء من عدها، نشاهد واحدة من أحداث المنيا، تلك الأحداث التى يطلق عليها أنها أحداث طائفية؛ حيث دائمًا ما يكون طرف الحدث المستهدف والمتكرر هم المصريون المسيحيون، سواء كانوا كأشخاص أو كان المستهدف أماكن عبادتهم، سواء كانت كنائس أو أماكن للخدمة أو منازل بديلة لعدم وجود كنائس.
المرة الأخيرة كانت الأسبوع الماضي، ونتمنى أن تكون المرة الأخيرة بالفعل، قام أمين شرطة، مكلف بحراسة كنيسة نهضة القداسة بالمنيا، بقتل مقاول وابنه الشاب لكونهما يقومان بهدم أحد المنازل المقابلة للكنيسة التى يقوم بحراستها هذا الحارس الأمين؛ حيث إن عملية الهدم نتجت عنها أتربة لم يرض عنها هذا الأمين، جدا، فكان المقابل هو أن أردى الرجل وابنه قتلى، وهذا ما نُشر حتى كتابة المقال.
هل هذه الحادثة المفجعة حادثة طائفية أم حادثة جنائية؟ على كل حال هى بالأساس حادثة جنائية؛ حيث إنها جريمة قتل مواطن مصرى لمواطنين مصريين. فالقانون الجنائى وضع ويطبق على المصريين كمصريين بعيدًا عن أى تصنيف دينى أو غير ديني، حتى لو كان الدافع طائفيًا، أى أن القاتل قام بقتلهم كونهم مسيحيين. لكن هل لو تمت هذه الواقعة فى بلد غير المنيا كان رد الفعل سيكون فى الإطار الطائفى مثل ما رأينا؟ بالطبع لا.
حيث إن رد الفعل كان سيُسيطر عليه من الناحية الجنائية أكثر من الزاوية الدينية والطائفية، وإن كان الأمر أيضًا لا يخلو من مسحة دينية طائفية طالما أن المجنى عليهم مسيحيون، ولكن لأن الحادثة فى المنيا وأحد الأطراف وهو المجنى عليهم مسيحيون، هنا شاهدنا هذه الأجواء وتلك الحملات التى غطت مساحات ضخمة من السوشيال ميديا، ناهيك عن ردود الفعل الطائفية فى الكنيسة ومن رجال دين وبعض الأقباط العاديين.فلماذا هذا؟ هذا لأننا نعيش فى مناخ طائفى بامتياز، أنتج وهذا هو الأخطر، فرزًا طائفيًا غمر كل مناحى الحياة؛ فأصبح المسلم مقابل المسيحى والمسلمين مقابل المسيحيين، وضاع وسط كل هذا المصريون بهويتهم ووحدتهم وانتمائهم الوطني، وكأن الوطن قد أصبح وطنين، وطنا لهؤلاء وآخر لأولئك!!
الغريب فى الأمر، وبعد كل المتغيرات التى حدثت، التى لا تُنكر بعد 30 يونيو، والتى يتم فيها ومن خلالها محاولة تجسيد حق المواطنة لكل المصريين دون تفرقة بين مسلم ومسيحي، إلا أنه وبكل وضوح نرى الجميع لا يزال يتعامل متأثرًا بمناخ طائفى وفرز طائفي، للأسف لا يزال المعظم لا يستطيع أن ينفض عنه غبار الطائفية والتمثيل الطائفى الذى هو ابن نظام الطوائف العثمانية الذى ولى وراح، ولا نتمنى له رجعة.
وإذا تحدثنا عن الأسباب المباشرة والواضحة لمثل هذه الحادثة، سنجد أولًا المكان، إنها المنيا يا سيدي، وما أدراك ما المنيا. ثانيًا التدخل الكنسى وكأن الكنيسة، أى رجال الدين؛ حيث إن الكنيسة هى جماعة المؤمنين، لا تزال، بل وتصر أن تكون هى المسئولة، وهى الممثل السياسى والقانونى للأقباط بديلًا للدولة!!
أما المنيا فالأحداث الطائفية التى تجاوزت كل ما يفرزه الواقع الطائفى تاريخيًا، وكأن المتسببين يريدون أن يثبتوا أن عصر الاضطهاد لا يزال قائما، وزمن الذمة والجزية هو الواقع الذى يعاش بأمر وبقدرة من يريدون تثبيت الزمن، بل والعودة إلى الماضي، ولأن المنيا بها أكبر تجمع مسيحى بل وكنسى نتيجة تواجد أغنياء الأقباط بها قبل 1952، وقاموا ببناء كنائس فى القرى تصل إلى حد الكاتدرائيات، هذا الواقع قابله بقصد مقصود وجود تيار الإسلام السياسى الذى جعل المنيا، تُهدى كل كوادره إلى الوطن، وبكل فئاتهم وانتماءاتهم، بل وبكل تناقضاتهم، مما جعل هذا التيار بتواجده وحركته قد أنجب تيارًا شبه شعبيًا من تابعيهم ومناصريهم، الشيء الذى خلق تيارًا فكريًا يعتقد فى صحة فكر هؤلاء، والدليل ما شاهدناه يوم 14/8/2013 بعد «فض رابعة» من حوادث ضد الأقباط، قد تخطت كل الحوادث الطائفية المماثلة طوال العصر الحديث، وهذا يعنى أن هناك مناخا ومجتمعا أصوله متطرفة وجذوره متعصبة رافضة للآخر، وهنا بالطبع لا نعمم ولكن لا نقلل، من آثار وتأثير ذلك التيار وتلك النوعية من تابعيه.
المشكلة الحالية التى لا تواكب المتغيرات الحادثة، أنه لا يزال تتم معاجلة هذه الحوادث وتلك الممارسات بالطريقة الأولى التى كان يُسيطر عليها التسليم لواقع طائفى يسقط القانون، ويميز بين المواطنين، ويعتبر أن الأقباط ليسوا مواطنون لهم نفس حقوق الآخر؛ لأنهم ذميون فى حامية الأعلى والأقوى، والأكثر عددًا، وهذا يتم نتيجة فكر دينى لا علاقة له بمقاصد الدين التى تحفظ النفس والمال وتحرم القتل بغير ذنب، مثل ما نرى فى هذه المنيا طوال الوقت.
نرى الجلسات العرفية بديلًا للقانون، ونرى الأجهزة المسئولة عن الردع وتطبيق القانون وحماية المواطن المصرى، تدير حوارًا مع الجناة، بل تترجاهم أن يوافقوا بالصلاة لهؤلاء الأقباط، وكأنهم هم القانون وهم الأصح وأن هذا حقهم الذى لن يتنازلوا عنه!
السبب الآخر هو إصرار الكنيسة واستحسان الدولة بأن تكون الكنيسة هى المسئولة عن الأقباط، وكأنهم لا علاقة لهم بالدولة، فهل الأقباط مواطنون تابعون للدولة أم الكنيسة؟ وهل القانون يطبق على البعض دون البعض الآخر؟ وهل الدولة مسئولة عن المسلمين دون المسيحيين؟ وما علاقة الكنيسة بحادثة طرفها مسيحى، أو حتى ما علاقتها بحرق كنيسة أو الاعتداء على المصلين؟ هذه مهمة الدولة والشرطة ومسئولية المحافظ وأجهزة المحافظة، فالأقباط مواطنون مصريون كاملو الحقوق والواجبات، ليسوا مواطنين درجة ثانية، ومسئولين من الدولة لحمياتهم وإقرار حقوقهم، حالهم حال غيرهم من المصريين.
رأينا بعد هذه الحادثة صدور بيان من أسقف المنيا وأسقف مغاغة وصلوات جماهيرية من أسقف نقادة، تحت بند تأبين المقتولين، فهل كل مسيحى يقتل فى حادثة جنائية أو طائفية يتحول الموضوع إلى طائفية وقسمة؟! هذا السلوك يا سادة يحول الأمر إلى صراعًا بين الكنيسة والإرهابيين، بما يجعل غير العارفين وغير المدركين يتعاطفون معهم ضد الأقباط! ولا نبالغ لو قلنا إن ظهور الكنيسة، وهذا ليس دورها، فى هذه الحوادث يجعل ضعاف النفوس من المسئولين الصغار، مثل الأمين، غير الأمين، يأخذ موقفًا من الكنيسة ومن الأقباط، طالما الأمر وكأنه بين الكنيسة والمتطرفين باسم الإسلام زورًا.
الحل يتلخص فى الآتي: القانون الحاسم والحازم بلا تفرقة بين مسلم ومسيحي، قيام أجهزة الدولة بدورها الوطنى وليس الوظيفي، إلغاء بل تجريم الجلسات العرفية، وما يسمى «بيت العائلة»، مواجهة الفكر مع المواجهة الأمنية خاصةً على الأرضية الثقافية، وقبول الآخر «فأين الندوات الثقافية لقبول الآخر فى هذه المناطق، ومن شخصيات لها قبول مجتمعي؟»، على الكنيسة ألا تتعدى دورها الروحى وتترك الدولة والأجهزة للقيام بدورها وعلى الدولة ألا تستمرئ هذا الدور، فهذا ليس دور الكنيسة، نشر فكر قبول الآخر فى كل الاتجاهات والأماكن.. حمى الله مصر وشعبها فى ظل مصر كل المصريين.