الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أرسطو.. والمرأة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
موضوع «الفيلسوف.. والمرأة» هو من الموضوعات بالغة الأهمية فى مسيرة التنوير، لأنه يلقى الأضواء على وضع المرأة فى مجتمعنا العربي، ويبيِّن سبب وصفها بـ«الرئة المعطلة» أو «ذلك الجنس الآخر» الذى يختلف عن جنس الرجال. والواقع أن الصورة السيئة عن المرأة المنتشرة بيننا هى التى رسمها الفلاسفة، وهم يعبرون بذلك عن التراث السائد فى مجتمعاتهم، مصداقًا لقول هيجل: «إن كلًا منا هو ابن عصره، وربيب زمانه... وإن الفلسفة هى عصرها ملخصًا فى الفكر». فأفلاطون وأرسطو، وغيرهما من فلاسفة اليونان لخصوا فى أفكار نظرية مجردة «كراهية المرأة»، ووضعها المتدنى الذى ساد التراث اليوناني.
ولم تبدأ هذه الصورة السيئة فى التحسن إلا عندما تغيرت ظروف المجتمع الحديث سياسيًا واقتصاديًا، فظهر فلاسفة من أمثال: مونتسيكو، وجون ستيوارت مل وغيرهما، ودعوا إلى تحرير المرأة، وإعطائها حقوقها كاملة. كل هذا يوضح الأهمية البالغة للجهد الذى بذله ويبذله الدكتور إمام عبدالفتاح إمام - أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الأسبق بجامعة الكويت - فى تأليف سلسلة من الكتب تحت عنوان «الفيلسوف... والمرأة»، إن هذه السلسلة من الكتب تهدف إلى تعديل الصورة السيئة التى استمرت فى بلادنا سنوات طويلة، بالكشف عن أفكار روج لها فلاسفة إغريق عبروا عن تراثهم، ثم ثبتت فى أذهاننا. واعتدنا على ترديد عبارات تتحدث عن ضعف عقل المرأة، وتغلب العاطفة والانفعال عندها، ونقص الذكاء، وعدم قدرتها على القيادة والإدارة والحكم، ووجوب خضوعها الكامل للرجل... إلخ؟! هذه كلها أفكار أرسطو لكننا أصبحنا نرددها على أنها أفكار مقدسة لا يأتيها الباطل.
ومن هنا أيضًا تأتى أهمية كتاب «أرسطو... والمرأة» تأليف الدكتور إمام عبدالفتاح إمام، وهو العدد الثانى من سلسلة «الفيلسوف... والمرأة»، وقد صدر هذا الكتاب عن مكتبة مدبولى عام (1996)، وهو يقع فى مائة وسبع وعشرين صفحة من القطع المتوسط.
يرى الدكتور إمام عبدالفتاح - مؤلف الكتاب - إن مصدر خطورة نظرية أرسطو عن المرأة هو أنها ترددت بعد ذلك بكثرة فى تراثنا العربي، ربما لأنها وجدت أرضًا خصبًا مهيأة لتقبلها، إن أفكار أرسطو عن المرأة متناثرة فى تراثنا هنا وهناك، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا عمومًا، تجدها عند المثقف، والمفكر، والفيلسوف، كما تجدها عند رجل الشارع سواء بسواء. وإن المرء ليعجب أشد العجب عندما يجد مفكرًا عملاقًا كالإمام الغزالى يرى «أن النكاح نوع من الرق، فهى أى (الزوجة) رقيقة له (أى للزوج)، وبما أنه نوع من الرق، فطاعة الزوج عليها مطلقة فى كل ما طُلِبَ منها فى نفسها مما لا معصية فيه»، ولا يجد فيه مشاركة وتعاطفًا ورحمة، كما جاء فى نص القرآن الكريم، حتى وصل الأمر إلى إضافة طاعة الزوج إلى مبادئ الإسلام.
وهناك أفكار أخرى كثيرة يشير إليها كتاب «أرسطو... والمرأة» يشعر القارئ معها أن ما يقوله أرسطو ليس غريبًا عنه، بل إن رجل الشارع أصبح يردد بعضها فى يقين وثقة، فمن منا لم يسمع عن تدنى ذكاء المرأة، ونقص عقلها، وعدم اتزانها فى الحكم على الأشياء، وعدم صلاحيتها للسياسة، أو القيـادة، أو إدارة شئون الدولة... إلخ، حتى إذا ما رأى أمامه نماذج لامعة من الشرق والغرب على السواء، جحدها عامدًا دون أن يجهد نفسه فى البحث عن تفسير لها، أو يسأل: كيف تتسق مع أفكاره؟ «مارجريت تاتشر» كانت تتربع على قمة الحكم فى إنجلترا، وكذلك كانت «أنديرا غاندى» فى الهند، والآن السيدة «أنجيلا ميركل» فى ألمانيا. ذلك كله لا يجعله يسأل نفسه ولو مرة واحدة: أيكون سائق سيارة السيدة «أنجيلا ميركل» أرجح منها عقلًا لمجرد أنه رجل وهى امرأة ؟ أيكون الساعى أو الحارس - الذى يقف على بابها - أقدر منها على إدارة الدولة أو أكثر اتزانًا فى الحكم على الأشياء لمجرد أنها امرأة، وأنه رجل؟ أى تخلف هذا!!
ويذهب المؤلف إلى أن أرسطو لا يكتفى بهذا القدر من نقائص المرأة، وإنما يضيف إليها عدم قدرتها على ممارسة الفضائل الأخلاقية المختلفة على نحو ما يفعل الرجل، وعدم قدرتها على شغل أى منصب اجتماعي، أو ثقافى، أو حتى قيادة المنزل. إن مهمتها تقتصر فقط على الإنجاب، بل إن مسئوليتها تكون كاملة إن هى أنجبت الإناث. إن هذه الفكرة كانت، وربما مازالت، شائعة جدًا فى مجتمعنا العربى - فى حين يكون الرجل - هو الذى ينجب الذكور. والطبيعة لا تنجب الإناث إلا إذا انحرفت عن مسارها الصحيح، إلى آخر تلك الأفكار الأرسطية التى لا حصر لها. والتى تجدها متناثرة هنا وهناك، يرتدى بعضها زيًا دينيًا ليكون أكثر عمقًا ونفاذًا، أقحموه على الإسلام الذى رفع المرأة العربية من حضيض الجهل والتخلف، بعد أن كانت تُوَرَّث مع ممتلكات الرجل، إلى أعلى المراتب الاجتماعية، عندما جعلها قيِّمة على نفسها ومالها وزواجها... إلخ.
ومن الملاحظ أن الصفات المختلفة التى تُوصف بها المرأة الشرقية الآن، كانت هى صفات المرأة فى أثينا، فى حين أن المرأة الشرقية فى مصر القديمة مثلًا، أذهلت المؤرخ اليونانى «هيرودوت» لنشاطها ومشاركتها الرجل فى جميع مناحى الحياة: فى البيت، والتجارة، والزراعة، والأسواق، والسياسة، حتى أنها وصلت إلى أعلى المناصب السياسية عندما حكمت البلاد بمفردها، أو مع زوجها.
والأخلاق عند أرسطو تجعل للمرأة أخلاقًا خاصة، وفضائل مختلفة عن فضائل الرجل وأخلاقه، ونحن بدورنا - كعرب ومسلمين - نفعل ذلك، فأخلاقنا وفضائلنا تدور، فى الأعم الأغلب، لاسيما بالنسبة للمرأة، حول السلوك الجنسي، وكلمة «الشرف» عند المرأة لا نعنى بها سوى العلاقات الجنسية، فهى تفقد «شرفها» إذا مارست الجنس بطريقة غير مشروعة: فمن تسرق، أو تتاجر فى المخدرات، أو تغش يمكن أن تفعل ذلك وهى تحافظ على شرفها، أما الرجل فيظل «شرفه» مصانًا مهما يكن له من سلوك جنسى مشين، مادامت زوجته أو أخته... إلخ مستقيمة السلوك... أى تخلف هذا؟!