أعلنت المملكة العربية السعودية إقامة تحالف مع ست دول عربية متاخمة للبحر الأحمر وخليج عدن، وهى مصر وجيبوتى والصومال والسودان واليمن والأردن. ورغم أن الاجتماع الأول فى الرياض لم يصل إلى اتفاق نهائي، غير أنه سيتم عقد اجتماع لاحق فى القاهرة لإجراء محادثات فنية لبحث خطط قيام هذا التحالف.
وليس من الواضح بعد طبيعة التحالف الجديد، وهل سيكون تجمعًا سياسيًا أم تحالفًا عسكريًا؟ فقد أشار وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إلى أنه قد يتضمن درجة من التعاون الأمني، نظرًا لأن الهدف الرئيسى للتحالف هو «تحقيق الاستقرار فى المنطقة»، والحد من التأثير السلبى للقوى الخارجية.
ونظر بعض التحليلات إلى التحالف باعتباره موجهًا بصورة أساسية لتحجيم النفوذ والتأثير الإيرانى والتركى على أمن البحر الأحمر.
منصة للتشاور
وفى دراسة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة للباحث الدكتور شادى عبدالوهاب قال: يبدو أن «تحالف البحر الأحمر»- إن جاز التعبير- يهدف إلى إيجاد منصة دائمة للتشاور بين الدول الأعضاء لإيجاد فهم مشترك للتحديات الأمنية التى تزعزع استقرار البحر الأحمر، وقد يهدف كذلك إلى محاولة علاج الخلافات والتوترات المحدودة، التى قد تنشأ فى العلاقات بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
ولم يوضح «الجبير» ما إذا كان تحالف البحر الأحمر تقتصر وظيفته على كونه تجمعًا سياسيًا أم لا، أم أنه قد يسعى فى مرحلة لاحقة إلى تعزيز التعاون العسكرى والأمنى بين الدول الأعضاء؟ ومع ذلك، فإن هذا التحالف يمكن أن يعتمد على التحالفات العسكرية القائمة فى المنطقة، خاصة التحالف العربى فى اليمن، الذى يدعم الحكومة اليمنية الشرعية فى حربها ضد الحوثيين منذ عام ٢٠١٥.
ونظرًا لأن هناك مفاوضات جارية لحل الأزمة اليمنية سلميًا فى السويد بدءًا من أوائل ديسمبر ٢٠١٨، فإنه يمكن تطوير التحالف العربى فى اليمن، وتوسيع عضويته، بحيث يركز على دعم الاستقرار فى البحر الأحمر، ومواجهة التهديدات الأمنية النابعة من السلوك الإيرانى ومساعيها لتهديد أمن المضايق البحرية، خاصة إذا أُخذ فى الاعتبار أن مصر والسودان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن أعضاء فى كل من تحالف البحر الأحمر والتحالف العربى فى اليمن.
وعلاوة على ذلك، فقد شهد نوفمبر ٢٠١٨ تدريبات عسكرية مشتركة بين بعض الدول العربية، وشاركت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والبحرين والكويت فى تدريبات مشتركة فى مصر فى أول تدريب من نوعه، ونظر المحللون، آنذاك، إلى هذه الجهود على أنها ترسى أسس إقامة تحالف عسكرى إقليمى لمواجهة إيران.
ومن ثم يمكن النظر إلى إعلان تحالف البحر الأحمر على أنه يعكس استمرار الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون السياسى الأمنى بين دول الخليج العربية ودول البحر الأحمر.
التحالف والناتو العربى
وعلى الجانب الآخر، فإنه ليس من الواضح ما هى العلاقة بين تحالف البحر الأحمر و«التحالف الاستراتيجى للشرق الأوسط»، والمعروف باسم «الناتو العربي»، والذى اقترحته الإدارة الأمريكية كمظلة أمنية لمواجهة التهديدات الإيرانية. فقد كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يدفع باتجاه تأسيس مثل هذا التحالف العسكرى الذى يشمل جميع دول الخليج العربية الست، بالإضافة إلى الولايات المتحدة ومصر والأردن.
ومن الواضح أن التصور الأمريكى لإقامة حلف عسكرى يواجه العديد من التحديات، نظرًا لاستمرار الأزمة القطرية، فضلًا عن تباين مدركات التهديدات بين الدول المقترحة لعضوية التحالف الجديد، حيث إن قطر وعمان لا تعتبران إيران مصدر تهديد، وذلك بخلاف الأعضاء الآخرين المقترح انضمامهم للتحالف. وفى حالة فشل الناتو العربي، فإن تحالف البحر الأحمر قد يمثل- فى حال تطويره- المظلة الأمنية الرئيسية لمواجهة النفوذ الإيرانى فى البحر الأحمر وخليج عدن.
ثلاثة تحالفات إقليمية
لا يمكن فهم تحالف البحر الأحمر إلا من منظور التنافس الإقليمى القائم حاليًا فى الشرق الأوسط. فقد كان الصراع بين التحالفات الإقليمية من السمات الأساسية للنظام الإقليمى العربى منذ نشأته فى عام ١٩٤٥. فخلال عقدى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، شهد الشرق الأوسط صراعًا بين معسكرين: الملكيات المحافظة بقيادة المملكة العربية السعودية، والجمهوريات الاشتراكية بقيادة مصر.
ومع اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران عام ١٩٧٩، نشأ اصطفاف إقليمى جديد، حيث دعمت غالبية الدول العربية العراق فى حربه ضد إيران (١٩٨٠ – ١٩٨٨)، فى حين كانت سوريا الدولة الوحيدة التى ساندت إيران. ومع حرب ٢٠٠٦، بين حزب الله وإسرائيل، نشأ اصطفاف جديد فى الشرق الأوسط بين محور الاعتدال العربي، خاصة مصر والسعودية والأردن، ومحور المقاومة بقيادة إيران وسوريا، بالإضافة إلى حزب الله اللبنانى وحركة حماس الفلسطينية.
استغلال الفوضى
ومثّل «الربيع العربي» الذى عصف بالاستقرار فى عدد من الدول العربية فى عام ٢٠١١ مرحلة أخرى من التحالفات فى الشرق الأوسط، والتى تميزت بتصاعد أدوار القوى الإقليمية غير العربية، لاسيما إيران وتركيا، فى محاولتهما استغلال الفوضى التى شهدتها عدة دول عربية لتعزيز نفوذهما فى بلاد الصراعات العربية، من خلال التورط فى دعم قوى سياسية موالية لهما فى الوصول للسلطة، بهدف استقطاب دولها إلى التحالفات القائمة. وقد نتج عن هذه الجهود، والمحاولات الرامية إلى مواجهتها تبلور ثلاثة تحالفات رئيسية فى الشرق الأوسط، وهى على النحو التالي: ١- التحالف الإيراني: حاولت إيران تعزيز نفوذها الإقليمى فى سوريا واليمن والعراق فى أعقاب الربيع العربى من خلال مساعدة النظام السورى فى مواجهة المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى دعم الحكومة العراقية فى حربها ضد «داعش».
ودعمت طهران عددًا من الفواعل المسلحة من دون الدول، خاصة حزب الله اللبنانى والحوثيين فى اليمن، وتباهت إيران بنفوذها الإقليمي، عندما صرح على رضا زاكاني، عضو البرلمان الإيرانى المقرب من المرشد الإيرانى الأعلى على خامنئي، فى سبتمبر ٢٠١٤ بأن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية»، مشيرًا إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التى فى طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية، وذلك غداة سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء.
وواصلت إيران دعمها للحوثيين فى اليمن من خلال تهريب الأسلحة لهم عبر مراكب صغيرة تعبر الساحل الصومالى إلى الساحل اليمنى الخاضع لسيطرة الحوثيين منذ عام ٢٠١٥، وحتى الآن.
٢- التحالف القطرى- التركي: يتسم هذا التحالف بطبيعة إيديولوجية، حيث دعم كل من حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا وقطر تيار الإخوان فى جميع دول المنطقة فى أعقاب الربيع العربى فى عام ٢٠١١.
ووضح ذلك بصورة أساسية فى البلدان التى تعانى الصراعات، مثل ليبيا وسوريا. كما أن كلا من أنقرة والدوحة اشتركتا فى تبنى مواقف عدائية تجاه الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، والذى ساند التظاهرات الشعبية، التى أطاحت بحكم الإخوان فى مصر عام ٢٠١٣.
وفى أعقاب الأزمة القطرية فى عام ٢٠١٧، حاولت تركيا- من دون جدوى- التوسط بين الدوحة والرياض. وفى أعقاب فشل جهود الوساطة، بدأت طهران فى اتباع سياسات أكثر عدوانية تجاه المملكة العربية السعودية، وصلت إلى التلويح بمطالبة الأمم المتحدة بالتحقيق فى مقتل الصحافى السعودى جمال خاشقجي، بل ومحاولة استغلال مقتله فى التأثير سلبًا على العلاقات الأمريكية- السعودية.
وأثارت المحاولات التركية فى أواخر عام ٢٠١٧ وبداية ٢٠١٨ لتأسيس موطئ قدم لها فى جزيرة سواكن السودانية إلى ارتياب مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الخطوة التركية وأبعادها، وفقًا لبعض المحللين.
٣- التحالف الرباعي: يشير هذا التحالف إلى الدول العربية الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، بسبب دعمها عددًا من التنظيمات الإرهابية، واعتماد سياسة خارجية تدخلية مثلت تهديدًا للأمن القومى للدول الأربع. وتتبنى هذه الدول سياسة خارجية متقاربة، خاصة فيما يتعلق بالتوجس من تيار الإخوان. وبالإضافة إلى ذلك، فهى قوى تسعى للحفاظ على الوضع الراهن فى المنطقة، عبر استعادة الاستقرار الإقليمى فى دول الأزمات، فضلًا عن تقليص النفوذين الإيرانى والتركى فى المنطقة. وفى هذا السياق، يمكن اعتبار «تحالف البحر الأحمر» من الأدوات التى يمكن أن توظفها الرياض والقاهرة فى مواجهة النفوذ الإيرانى والتركى فى الإقليم.
التهديدات الإرهابية
يمكن توظيف تحالف البحر الأحمر كأداة رئيسية لمواجهة الإرهاب فى القرن الأفريقي، ويتمتع البحر الأحمر بأهمية جغرافية استراتيجية، سواء بالنسبة للدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر، أو للقوى الدولية، حيث يعبر بالبحر الأحمر ما يقدر بنحو ٣.٢ مليون برميل نفط يوميًا باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا. وحاولت حركة الحوثيين المتمردة والمتحالفة مع إيران تهديد الأمن البحرى بالقرب من مضيق باب المندب من خلال مهاجمة السفن التجارية وناقلات النفط والسفن الحربية أثناء مرورها بالقرب من السواحل اليمنية، وذلك أثناء الحرب الدائرة فى اليمن. وتستخدم إيران الحوثيين كورقة لتهديد الملاحة فى مضيق باب المندب فى حال نشبت أى أزمة بينها وبين القوى الدولية. وقد أكد ذلك ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية (فارس) فى ٦ أغسطس ٢٠١٨ من تصريحات للجنرال ناصر شعباني، الذى يتولى منصبًا بارزًا فى الحرس الثورى الإيراني، والذى أكد قيام طهران بإصدار أوامر للحوثيين لمهاجمة حاملتى نفط سعوديتين، وأنها نفذت تلك الأوامر.
ورغم تعديل مضمون الخبر أكثر من مرة لحذف تورط إيران فى توجيه الحوثيين، فإن تزامن هذا الهجوم مع تصريحات اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، والذى قال فيه إن البحر الأحمر لم يعد آمنًا بالنسبة للسفن الأمريكية، يكشف بجلاء تورط إيران فى هذا الهجوم.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد تورطت إيران فى رعاية حركة الشباب الإرهابية فى الصومال، والمتحالفة مع تنظيم القاعدة، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة. ومن المعروف أن حركة الشباب ترتبط تنظيميًا مع «القاعدة فى شبه الجزيرة العربية» فى اليمن، وقام كلا التنظيمين بالتخطيط لعمليات إرهابية مشتركة خارج الصومال.
وانتهى الباحث إلى أنه يمكن القول إن التحالف الجديد سوف يسعى لتعزيز التعاون السياسى بين الدول الأعضاء فى مواجهة التحديات الأمنية التى تشهدها منطقة البحر الأحمر، وقد يمهد فى مرحلة تالية إلى تعزيز التعاون الأمنى والعسكرى بين الدول المؤسسة، لكى تتمكن من مواجهة التنظيمات الإرهابية فى منطقة القرن الأفريقى والحد من النفوذ الإيرانى على مضيق باب المندب ومحاولة استبيان أبعاد الدور التركى الجديد فى هذه المنطقة.