أول تكليف صدر لى من أستاذنا ومعلمنا مصطفى أمين هو اختيارى لكى أكون مندوب «الأخبار» فى مديرية الشئون الاجتماعية والعمل بالإسكندرية، حيث كانت الوزارة المختصة بشئون العمل والعمال قبل إنشاء وزارة القوى العاملة، وهى الوزارة التى كانت القاسم المشترك لوزارات أخرى مثل الوضع الحالي، كانت البداية أن تجزئة وزارات لتصبح مستقلة مثل وزارة العمل تولاها رئيس اتحاد العمال وأصبحت الشئون بلا دور تقريبًا حيث انتقل اختصاص وزارة العمل وتزامن إنشاؤها مع القرارات الاشتراكية يوليو 1961م وما صاحبها من تشريعات فى مقدمتها تشكيل اللجان الثلاثية فى منع فصل العمال، وتألقت وزارة العمل رغم حداثة ولادتها السياسية بينما انكمش نشاط الشئون الاجتماعية أما وزارة التأمينات التى ابتكرها الرئيس السادات كان أول وزير لها الدكتور حسن الشريف، ولأنه (زميل تخته) فى المرحلة الثانوية بالمنوفية، وروى السادات أن الشريف كان أول الفصل وظهر عليه النبوغ مبكرًا.
وأعاد السادات دور للمرأة فى الشئون الاجتماعية بتعيين الدكتورة عائشة راتب، وتم تعيين أمال عثمان، أستاذ العلوم الجنائية واستمرت أكثر من عقدين، ومنذ وقت السيدة جيهان السادات والسيدة سوزان مبارك استأنف النشاط التطوعى الخيرى ما يستحقه من اهتمام نحو المجتمع والأسرة بحيث تؤسس لنظم بناءة تسد الفجوة بين البناء المجتمعى وتذويب أى عوائق نحو عقيدة الخير بين البشر بصرف النظر عن العقائد والأديان والنظم الأخلاقية وأن يكون الهدف بناء نسيج تطوعى لا يهدف للربح لكنه يعمل على دعم الفقير والعاجز وتشجيع الأفراد على التضحية بالجهد والمال والرأي.. هذه هى المعانى التى تعلمتها من خلال معايشتى مع أصحاب هذا المنهج، سواء كانوا رسميين فى مناصبهم وتأكد لى أن المدرسة الحقيقية فى دعم مسيرة الخير يجب أن تكون نابعة من شخصيات وهبهم الله القدرة على العطاء فى كل اتجاه مثل الدكتور محمد لطفى بيومى الذى اقتربت منه وهو مؤسس جامعة طنطا وتلميذه عزيز محمد عبدالعليم والدكتور لطفى بيومى للعلم هو شقيق حرم أستاذنا توفيق الحكيم، وهو خال الفنان الراحل إسماعيل الحكيم، وقد اقتربنا أيضًا مع عدد من المفكرين والأساتذة فى مجتمع طنطا، واتيحت لى لقاءات مع مجتمع الغربية عندما كان المحافظ وجيه أباظة مكتشف المبتهل العظيم سيد النقشبندى وتعرفت فى هذا المناخ على الراحل الشيخ محمد محرم ومن تلاميذه أستاذى على سامى النشار وتعايشت مع جلساته، وبداية فإن التشريع القديم فقد تمامًا تاريخ الصلاحية فكريًا ودوليًا وإنسانيًا ودستوريًا وتشريعيًا وينبغى تعديله جذريًا لأنه ذو طابع (رقابي) وأمني، بينما القانون العام وأجهزة الدولة قادرة على المحافظة على أمن الدولة دون معاونة أجهزة إدارية فضلًا عن مناخ الحرية الذى يحقق الصالح القومى ويعين على المشاركة الشعبية لأنها أساس الديموقراطية والحكم الصالح فى كل مكان وزمان فهناك فجوة شاسعة بين نصوص التشريع والتطبيق العملى وعملية المراقبة، والغريب أن هذا القطاع الوحيد الذى وضع الشكوك ليتخبط بالعاملين فى ساحته رغم أن جميع وآلاف الميادين الأخرى تعمل فى حدود القانون العام الذى يظهر فيه من وقت لآخر، فكلها تقع آليًا تحت طائلة القانون.
وبدلًا من التشجيع لوضع جديد أساسه الدعم لا الرقابة أو الحظر مما يجعل ضرورة أن يسفر الحوار العام على خطوات متأنية وبمنتهى الأمانة فإن الرقابة التخليقية داخل وزارة التضامن يلزم الاستغناء عنها، لأن ما يقوم به هو مجرد رقابة صورية ولابد من الأخذ بمبدأ التنوع.
ونسأل هل يعقل أن يتحول العمل المجتمعى تحت مسمى (المجتمع المدني) إلى سبوبة، مثل إنشاء وشركات البحوث؟ ثم يؤكدون أنها لا تهدف للربح ويستندون لرؤية قديمة لشيخ الفقهاء عبدالرازق السنهور وفعلًا أطلق الخلدونى سعد الدين إبراهيم فى مقال مؤخرًا عبارات ملغومة مثل الدعوة لتأسيس شركات، وهناك دراسة قيمة قام بها معالى المستشار عصام أحمد وكيل إدارة التشريع بإشراف العظيم محمد فتحى نجيب الذى عين رئيسًا للدستورية العليا.
تحددت المواقف والمراكز القانونية لأن الأصل فى النشاط التطوعى أن تموله التبرعات التى يقدمها الأعضاء أو تتحصل عليها من الميسورين لكن الحكومية أو شبه الحكومية أصبحت بالسنوات الأخيرة مصدرا هامًا للتمويل.. والتشريع الحالى لا يقبل خصم التبرعات لغير الجهات الحكومية إلا فى حدود خفيفة بدأت بثلاثة ويتحمل القطاع الأهلى معظم الأعباء فى ساحة الخدمات التى كانت الحكومة أصلًا ملتزمة بها فى خدمة المرضى وإقامة المدارس والمستشفيات ودور الرعاية وأن ما يضيع على الدولة من دخل سيخفف عنها مسئولياتها فى الخدمات الاجتماعية مع زيادة كفاءة الأداء وسيفتح أبوابًا إضافية بتمويل الأنشطة التطوعية والمشاركة فى إدارتها تحت إشراف حكومي.
وفى الماضى كانت فكرة اليانصيب، والتى كانت تروج فى الفن للكوميدى نجيب الريحانى فى هبوط ثروة عليه وبهذه المناسبة، فإن الفنان له مرجعية سياسية لكى يتفاعل فيها مع أحلام البسطاء وقتها، فكان يلجأ لبديع خيرى وسيد درويش فى الإبداع أما الفكر المنهجى فيقوم بقرأة أفكاره من خلال حواراته المستمرة مع الدكتور حسونة حسين شلبى رحمه الله أحد زعماء الفكر الاشتراكي، وبالفعل تحول عدد من الجمعيات إلى فكرة المعارض الإنتاجية والوحدات الصحية أو الصناعية البسيطة التى تسمى بالمشاغل بأسعار تسويقية تحقق فائضا فى الإيرادات، ووصل الأمر إلى إنشاء مخابز تخصص إيراداتها للأعمال التطوعية واستغلال الرياضة والفن بدأت تظهر فى أى احتفال على شكل «بروجرام»، أما التمويل الخارجى بالذات الذى استحوذ على اهتمام بعض الدوائر ورصدت له أرقام ضخمة، فهناك مؤسسات لها قواعد لتلقى هذه الأموال وفقًا لشروط مصدر التمويل، لكن على الجميع أن يصحوا على حقيقة أن إيداعات جمعيات مثل الإخوان بلغت أكتر من 6 مليارات من خلال الثقوب فى التشريع الحالى وأستطيع أن أجزم بأن ميزانية جمعيات مثل هذه الجمعيات فى مصر وحدها بلغت أرقامًا تفوق إيرادات ميزانية الأمم المتحدة أكبر منظمات العالم والجامعة العربية مجتمعتين، مما يتطلب تخفيف منابع أموال «السبوبة» تحت مسمى قضايا الإقليميات أو مناقشة أوضاع قضايا العروبة أو نشر دراسات تعكس الحقائق المقلوبة أو سوق أكاذيب حقوق الإنسان بأرقام مضروبة!.