يتابع جيمس سميث أستاذ دراسات التنمية فى جامعة إدنبرة، فى كتاب «الوقود الحيوى وعولمة المخاطر: التغير الأكبر فى العلاقات بين الشمال والجنوب منذ الاستعمار»، والذى نقله إلى العربية، فتح الله الشيخ وأحمد السماحى، والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٧، بقوله: فى غضون سنوات قليلة تحول الوقود الحيوى من وجوده تحت نظر رادار التنمية إلى أن يرى كحل متعدد الأغراض لكثير من المشاكل – التغيرات المناخية، وخطر عدم توفر الطاقة، وتخلف المناطق الريفية – إلى أن يمثل كذلك «جريمة ضد البشرية»، وبالأخذ فى الاعتبار أن الإيثانول الحيوى البرازيلي، على الرغم من تضميناته الخاصة الاجتماعية والبيئية، أكثر تأثيرًا بمدلول التكلفة وتوازن غازات الصوبة الزجاجية عن قرينة فى الولايات المتحدة، فحماية أسواق الولايات المتحدة، ليست أمرًا مقبولًا من منظور بيئي، والتقليص المعتاد فى غازات الصوبة الزجاجية، بالنسبة إلى الإيثانول الحيوى فى الولايات المتحدة يقع فى نطاق ٢٠ بالمائة، أما فى حالة الإيثانول الحيوى فى البرازيل فيصل إلى حوالى ٩٠٪.
ظل سعر البترول الخام ما بين ١٩٨٣ و٢٠٠٣، ثابتا نسبيًا بين ١٠ و٣٠ دولارًا أمريكيًا للبراميل. كان هذا السعر بالترافق مع الدعم الثابت للإيثانول الحيوي، هو الدافع لزيادة إنتاج الإيثانول الحيوى من ١٦٢٥ مليون لتر فى ١٩٨٤ إلى ١٢.٨٥ بليون لتر فى ٢٠٠٤، وقد زاد الإنتاج بنحو ٥٠٠ مليون لتر سنويًا فى أثناء تلك الفترة، ومنذ ٢٠٠٤، بدأ سعر البترول الخام يقفز بسرعة، وكثيرا ما تخطى ١٠٠ دولار أمريكى للبرميل، وقد أدى هذا السعر المرتفع بالترافق مع الدعم الثابت للإيثانول الحيوى - المثبت على سعر البترول ٢٠ دولارًا أمريكيًا للبرميل - إلى النمو الهائل فى تشييد معامل الإيثانول الحيوي، وبحلول ٢٠٠٧ أصبح إنتاج الإيثانول الحيوى ضعف مستوى ما كان ينتج فى ٢٠٠٤.
كانت طفرة الإيثانول الحيوى من أوجه كثيرة نتيجة غير مقصودة للدعم الثابت القائم على أساس سعر برميل البترول ٢٠ دولارًا أمريكيًا للبرميل، وكانت النتيجة الأخرى لطفرة الإيثانول الحيوى غير المقصودة هى الزيادة المفاجئة فى سعر الذرة – المادة الأولية الرئيسية فى الولايات المتحدة – إلى أن وصل إلى ٢٣٠ دولارًا للطن فى ٢٠٠٨. أدت هذه الزيادة السريعة لسعر الذرة إلى زراعة ٦.٢٥ مليون هكتار إضافى، الأمر الذى أدى بدوره إلى نقص المساحة المخصصة لزراعة فول الصويا، وزيادة أسعاره. وقد أشعل الارتفاع السريع فى أسعار السلع الجدال حول الغذاء والوقود. ارتفع سعر الذرة من ١١٧ دولارًا أمريكيًا للطن فى أوائل ٢٠٠٦ إلى ٢٣٣ دولارًا أمريكيًا بنهاية ٢٠٠٧ – أكثر من الضعف فى حوالى سنتين، وحيث إن الذرة غذاء رئيسى للماشية والدواجن، وبخاصة للدجاج، فقد ارتفعت تكلفة إنتاج البيض ولحم الدواجن بحوالى ٣٠ بالمائة فى نهاية ٢٠٠٧.
وإنتاج الإيثانول الحيوى فى الولايات المتحدة تاريخ لاستدامة الدعم والحماية ضد الواردات، وبسبب ذلك اشتعل التفاوت بين دعم الإيثانول الحيوى وسعر البترول فى السنوات القليلة الماضية، وقد حدث ذلك بالتوازى مع تسييس إنتاج الوقود الحيوى فى الولايات المتحدة. استمر إنتاج الإيثانول الحيوى فى الزيادة منذ ٢٠٠٧، وكانت الــ١٠٧ ملايين طن من الحبوب المستخدمة فى معامل تقطير الوقود الحيوى فى ٢٠٠٩ كافية لتغذية ٣٣٠ مليون شخص لمدة عام. كانت هذه السنة تصنيف بوجود بليون جائع لأول مرة فى التاريخ. ففى ٢٠٠٩؛ تحول أكثر من ربع محصول الحبوب فى الولايات المتحدة إلى إنتاج الإيثانول الحيوي.
لقد دخلنا فى عصر لا تمدنا الزراعة فيه بالغذاء والعلف والكساء فقط، بل بالوقود كذلك، وستكون هناك بلا جدال معارك حول ما الذى ستقوم الزراعة بإمدادنا به بالضبط، ومن الذى سيقرر ما الذى يمد ولمن، وفى أجزاء أخرى من العالم، غير البرازيل والولايات المتحدة، اللتين تضعان أيديهما على الجزء الأكبر من إنتاج الوقود الحيوي، تأخذ الدول الأخرى على عاتقها مسارات مختلفة، جزئيًا فى محاولة تجنب قضية الطعام فى مواجهة الوقود، ومن جهة أخرى لسد حاجاتهم فى سياقاتهم الخاصة.
تبدو العلاقة بين الوقود الحيوى والأمن الغذائى معقدة بشكل لا يصدق مثل العلاقة بين إنتاج الوقود الحيوى وانبعاثات دورة الحياة، وتغير استخدام الأراضي؛ فإن المساهمة النسبية لتأثير الوقود الحيوى فى ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا فى ٢٠٠٨ تتراوح بين ٣ بالمائة (وزارة الزراعة الأمريكية)، و٣٠ بالمائة، و٦٠ بالمائة (الدول المتقدمة) إلى ٧٥ بالمائة، ويشير هذا التباين الهائل فى الأرقام إلى سببين: الأول أننا ببساطة غير قادرين على تجزيء وإرجاع السبب، فيما يتعلق بتغير أسعار الغذاء ديناميكية ومتنوعة وتتفاعل بطرق مختلفة فى الأجزاء المختلفة من العالم، فمثلًا: لن تكون مصفوفات أسباب زيادة أسعار الأرز فى الفلبين هى نفس أسباب زيادة أسعار الذرة الصفراء فى الجزء الجنوبى من أفريقيا.
.. وللحديث بقية..