فيما أدت أغلب وسائل الإعلام المصرية دورها فى تغطية فعاليات منتدى أفريقيا 2018 بشرم الشيخ على نحو جيد، غاب أى حديث عن دور الإعلام فى تعزيز العلاقة بين مصر والقارة السمراء.
وطبقًا للتغطيات الصحفية المنشورة لم يشهد المنتدى نقاشًا حول أهمية وجود استراتيجية إعلامية تعمل فى إطارها دول القارة لتقليل حجم الفجوة المعرفية بين شعوبها، وتدعيم وسائل التواصل الإنسانى والثقافى بينها.
المراسلون والصحفيون الذين يقومون بتغطية مثل هذه المنتديات جنود مجهولة يلعبون دورًا مهمًا فى إنجاحها وتوصيل رسائلها إلى الرأى العام، ولقد كان لهم حضورهم المميز فى منتدى أفريقيا 2018 من خلال تقاريرهم الصحفية والتليفزيونية، لكن مهنة الصحافة والإعلام التى ينتسبون لها كانت الغائب عن اجتماعاته وتوصياته وقراراته، رغم أنها أحد أهم العوامل الحاسمة فى إنضاج ثمار المنتدى.
غياب الحديث عن الدور الذى يستطيع الإعلام القيام به من أجل استعادة مكانة مصر فى محيطها الأفريقى يجدد التساؤل عن تقييم الدولة للإعلام؟!، ومدى اقتناعها بأهمية أدواره المتعددة؟!.
صحيح أن الدولة المصرية عانت الكثير من بعض الإعلاميين بسبب ما مارسوه ضدها من ابتزاز وتلون فى المواقف ومحاولاتهم لملء الفراغ السياسى بتحويل منابرهم فى الفضائيات والصحف إلى منصات سياسية، لكن تظل الإشارة إلى هذه النماذج مسبوقة بكلمة البعض، وأخطاء أو حتى خطايا البعض لا يمكن أن تلغى قيمة الإعلام كمهنة أو تنتقص من أهمية دوره ووظيفته بالنسبة للدولة والمجتمع، ولا يعنى التحفظ على ممارسات بعض الإعلاميين العمل على حصر وظيفة الإعلام فى نقل الأحداث والبيانات الرسمية.
ورغم ذلك كله يبقى الإعلام أحد العناصر الرئيسية الفاعلة ليس فقط فى تغطية الحدث، وإنما أيضًا فى صناعته، بل وربما فى تسريع وتيرته إذا هو خاض معركة الوعى والتنوير بأدوات مهنية سليمة.
حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن عامل الوقت باعتباره أهم التحديات التى تواجه الدول الأفريقية فى إنجاز مشروعاتها، وما إذا كانت وتيرة العمل تتناسب مع حجم الفجوة بين القارة السمراء وغيرها من قارات العالم هو مناسبة إعادة طرح سؤال الإعلام، فلا يمكن الحديث عن تسريع وتيرة عملية تعزيز العلاقة بين مصر وأفريقيا بدون الإعلام الذى يستطيع بما يمتلكه من آليات تجاوز المسافات الشاسعة التى تفصلنا جغرافيا وزمنيًا عن شعوب قارتنا السمراء.
ومهما بلغت البرامج الحكومية من قوة وتماسك فإنها تحتاج دائمًا إلى قناعة شعبية بأهميتها وجدواها حتى تنخرط الشعوب للعمل فى إطارها مما يعمل حتمًا على تسريع وتيرتها.
ومن نص حديث الرئيس قال بالحرف الواحد «عندما وجهت بإنجاز مشروع حفر قناة السويس الجديدة خلال عام واحد فقط لم يكن الهدف أن يقول العالم مصر نجحت فى إنجاز مشروعها فى وقت قياسى وإنما ترسيخ مبدأ أننا قادرون على صناعة الأمل رغم الأزمات والركود الاقتصادي».
فعندما يقوم الإعلام بدوره فى التغطية والمتابعة والرصد يحقق مبدأ ترسيخ الأمل لدى المواطن الأفريقى لأن هناك عملًا جادًا له ثمار على أرض الواقع وأكثر ما يحتاجه مشروع التعاون الأفريقى من الإعلام ودوره فى متابعة تلك الجهود الحكومية فى مجال الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، ذلك أن الإعلام يرسخ قيمة الشفافية ويعزز مصداقية الحكومات لدى شعوبها خاصة أن غياب الشفافية أكثر ما عانته شعوب القارة السمراء طوال العقود الماضية.
بعبارة أخرى القرارات التنفيذية التى أعلنها الرئيس خاصة تلك التى تتعلق بإنشاء صندوق لضمان مخاطر الاستثمار فى أفريقيا لتشجيع المستثمرين المصريين على العمل فى قارتهم السمراء، وآخر لتدعيم البنية المعلوماتية والتكنولوجية التحتية، وتحفيز الاستثمارات الأفريقية فى مصر، والتعاون فى مجالات الحوكمة ومكافحة الفساد، كلها تحتاج إلى الإعلام بأدواره المتعددة والمتمثلة فى التغطية والمتابعة، ورصد جوانب الإخفاق، وتسليط الضوء على العوائد المباشرة وغير المباشرة بالنسبة للمواطن سواء فى مصر أو باقى الدول الأفريقية.
وكما قال الرئيس إن الحديث مع المؤسسات والبنوك الدولية لتمويل المشروعات التنموية داخل دول القارة يتطلب ضرورة تجهيز البنية التحتية بشكل جمعى وفقًا لرؤية شاملة وليس فقط بالجدوى الاقتصادية لكل مشروع على حدة، حتى يمكن تحقيق التكامل الاقتصادى والتكنولوجى المأمول، وكذلك لا يمكن الحديث عن نجاح مشروع تكاملى كهذا بدون استراتيجية إعلامية يتم التوافق عليها بين الدول الأفريقية لسد الفجوة المعرفية والثقافية الموجودة بين شعوبها.
نعم يدرك الرأى العام المصرى أهمية التعاون مع أفريقيا، تمامًا كما أن أفريقيا تذكر دور مصر السابق فى دعم حركاتها التحررية والنهوض باقتصادياتها، لكن هذا لا يكفى فالأجيال الجديدة من أبناء القارة تحتاج لإنعاش ذاكرتها، واكتساب الثقة فى حكوماتها من حيث جادة وصادقة فى بناء منظومة تعاون مشترك تستهدف تنمية المواطن الأفريقى وتحسين فرصة فى الحياة.
الإعلام بطبيعته القادر على استثمار تاريخ العلاقات المصرية الأفريقية على الوجه الأمثل والبناء عليه بما ينجز حاليا من مشروعات متبادلة وبرامج تعاون، فكما كان لإهمال أفريقيا طوال أربعين عامًا انعكاساته السياسية السلبية كان له أيضا آثار ثقافية واجتماعية بالغة الخطورة.
المصريون بحاجة إلى أن يعرفوا عن أفريقيا ما هو أكثر من أسماء نجوم كرة القدم والعواصم، هناك تاريخ وفنون وثقافة مشتركة تربطنا فى الجذور مع كل تلك الشعوب، والأفارقة أيضا بحاجة إلى أن يعرفوا عن مصر ما هو أكثر من أنها ترانزيت لحين استقلال عبارات الموت فى مياه المتوسط.
الدولة المصرية وبمناسبة رئاستها للاتحاد الأفريقى مطلع العام المقبل مدعوة لتنظيم منتدى أفريقى يجمع وزراء الإعلام والثقافة والسياحة الأفارقة لوضع استراتيجية إعلامية متكاملة تتضمن تنظيم مهرجانات فنية وثقافية وسياحية متبادلة، والإعلام المصرى مطالب بتخصيص مساحات لتقديم أفريقيا التى لا نعرفها.