الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

واحة الخميس.. الإذاعة المصرية - 1

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت الإذاعة المصرية منذ انطلاقها فى 1934، وحتى وقت قريب هى صوت مصر ونبضها، وكان الراديو جزءًا من مكونات البيت المصرى، فلا يخلو الأثاث من جهاز الراديو الذى كانت تلتف حوله الأسرة المصرية فى الخميس الأول من كل شهر لسماع حفلات السيدة أم كلثوم، وتلتف حوله فى شهر رمضان من كل عام لسماع أصوات فاتن حمامة وعمر الشريف وعبدالحليم وشادية ونادية لطفى وكل نجوم السينما، وذلك من خلال مسلسلات محمد علوان وسمير عبدالعظيم وغيرهما من مخرجى الإذاعة العظام، هذا إلى جانب البرامج التى ارتبطت بذهن ووجدان المستمع وباتت صديقة لآذاننا كل صباح ومساء، فمن منا يستطيع أن يتناسى «كلمتين وبس، أبواب السماء، طريق السلامة، بصبح عليك، إلي ربات البيوت، خالتى بمبة، همسة عتاب، أخبار خفيفة»، وكنا نضبط الساعات على دقاتها التى نستمع إليها عبر المذياع قبل النشرات الإخبارية التى كانت مقدسة لنا ابتداء من الثانية والنصف ظهرًا، ثم الخامسة مساء، ثم الثامنة والنصف والتى كانت تأتى عقب القراءة القرآنية اليومية فى البرنامج العام، وكنا نعرف الأيام من أصوات الشيوخ، فإذا استمعت لصوت عبدالباسط فاعلم أن اليوم هو السبت، أما لو تهادى إليك صوت محمد رفعت فهذا هو يوم الاثنين بلا جدال، وظلت الإذاعة على مكانتها رغم دخول التليفزيون لمصر فى سنة 60، فأشهر المسلسلات الإذاعية قدمت فى الستينيات والسبعينيات، وكان الناس يستمعون إليها ويحفظون مواعيدها رغم وجود التليفزيون، فمن منا لا يذكر مسلسل البرنامج العام الذى يذاع يوميًا فى الخامسة والربع، ومسلسل الشرق الأوسط فى السادسة وخمس دقائق، وصوت العرب فى الخامسة والنصف، وفى كل شهر كانت تقدم الإذاعة مسلسلًا جديدًا نتابعه بشغف، وكانت الإذاعة تنتج حفلات «أضواء المدينة»، والتى كان يحييها كبار نجوم الغناء والموسيقى من الجادين الذين يقدمون فنًا بمعنى الكلمة، وفى كل حفلة كانت الإذاعة تقدم صوتًا جديدًا مبشرًا فكنا نطرب ونستمتع بالغناء العربى الأصيل، وكانت الإذاعة أيضًا تقدم كل عام حفل «الليلة المحمدية»، فكنا ننتظره على أحر من الجمر لما فيه من أغنيات دينية راقية، ومن مقاطع تمثيلية درامية بلغة عربية فصيحة، كل هذا إلى جانب الإنتاج الشهرى لعشرات الأغنيات الوطنية والعاطفية ذات المغزى الاجتماعي والصور الغنائية والأوبريتات، فضلًا عن إنتاجها للبرامج الدرامية الثابتة كـ: أغرب القضايا، ومن الحياة، وعيلة مرزوق، وتسالى، وحكاية بعد نص الليل، ومن أرشيف المحاكم... وغيرها من البرامج الخالدة، وكانت الشبكات الإذاعية المختلفة تتبارى فى وضع خطط إنتاجها الدرامى حيث تنتج الشبكة الواحدة 12 مسلسلًا فى العام بواقع مسلسل لكل شهر، هذا إلى جانب السباعيات والخماسيات والسهرات، وكان الدور الرابع وهو الذى تقع فيه الاستوديوهات بمثابة خلية نحل لا تهدأ، وكان التنافس على أشده بين الجميع، لكنه التنافس المحمود؛ فكل شبكة تريد أن تقفز بإنتاجها المتميز على الأخرى، وحين دخلت مبنى الإذاعة لأول مرة فى عام 1990، بصحبة المخرج القدير محمد مشعل، الذى اصطحبنى إلى مكتب المخرج الرائع حسنى غنيم فى الشرق الأوسط، والراحل عصمت حمدى فى صوت العرب، والراحل عبده دياب فى البرنامج العام، وقدمنى لهم فطلبوا منى برامج وسهرات ومسلسلات، ورأيت هؤلاء وهم يهرولون بين الطرقات داخل المبنى لإنهاء إجراءات اعتمادى كمؤلف وتحديد أجر لى، وكل هذا لم يكن لشيء إلا لأنهم يريدون جذب الأقلام للكتابة الإذاعية، ويريدون ضخ دماء جديدة فى وريد الحركة الفنية، وكان الأستاذ حسنى غنيم يطلعنى على كتابات الراحل الكبير مصطفى الشندويلى، وأحمد صالح، بينما أطلعنى الراحل عبده دياب على كتابات يوسف عوف، وعبدالفتاح مصطفى، وأحمد رشدى صالح... وغيرهم، وكانوا يقولون لى اقرأ وتعلم، ولم أكن وحدى الذى فعلوا معه ذلك، بل مع كثير من المؤلفين، وعندما أبدت لجنة النصوص الدرامية رأيًا فى واحد من المسلسلات التى قدمتها، اصطحبنى محمد مشعل إلى اجتماع اللجنة، وناقشتهم، وكانوا جميعًا أساتذة جامعة وخبراء يريدون الصالح العام والرقى بذوق المستمع، ومن بينهم أمين بسيونى، ومحمد مرعى، ورفيق الصبان... وغيرهم، وكانت الإذاعة تشترى الروايات الأدبية لكبار الكتاب تمهيدًا لتقديمها فى مسلسلات درامية، وهذا المناخ الذى أتحدث عنه ليس ببعيد؛ فقد رأيته وعايشته فى التسعينيات وحتى عام 2005 حين بدأنا نسمع عن أزمة مالية تعانيها الإذاعة، وكنا قبل ذلك لا نسمع عن تلك الأزمة؛ فقد كان الإنتاج يتم بوفرة والجميع يتقاضون حقوقهم بشكل فورى، ولكن بمجرد رحيل صفوت الشريف عن وزارة الإعلام ومجىء ممدوح البلتاجى، بدأ الحديث عن الأزمة المالية والديون، وأصبح الإنتاج فى أضيق الحدود، وعقد البلتاجى اجتماعًا مع الإذاعيين يخبرهم فيه عن الأزمة المالية، وعندما حدثه أحد الإذاعيين عن المشكلات التى تعانيها الإذاعات الموجهة، والتي أنشأها عبدالناصر لتكون صوتًا لنا فى بلاد أفريقيا ومختلف أنحاء العالم، قال: ما جدوى هذه الإذاعات؟ لا بد من إغلاقها
... وللحديث بقية..