تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يتابع الشارع المصرى الأحداث الصعبة التى تمر بها فرنسا ومظاهرات السترات الصفراء بخفة دم بالغة، الشباب يكتبون سيناريو أحداث التظاهر فمنهم من يكتب «صحونى وقت النوم وقت فتح السجون فى فرنسا لأنى بحب الحته دى قوي»، فيرد عليه الثانى «إحنا عاوزين نشوف الراجل اللى ورا ماكرون» كل هذا تهريج قياسًا على تطورات الموقف فى مصر أثناء وما بعد يناير 2011.
لا تستطيع أن تحدد بالضبط اتجاه الرأى العام المصرى نحو مجريات الأحداث فى عاصمة النور باريس، العاصمة التى منحتنا رفاعة الطهطاوى وعميد الأدب الدكتور طه حسين، السوربون التى تأسس فيها روادنا الأوائل، عاصمة النور تدفع الثمن غاليًا لأنها اختارت مع غيرها من العواصم المؤثرة سلطة رأس المال كبديل عن سلطة الشعب، والبديهى بالطبع هو أن يخرج الملاك الحقيقيون للبلد للدفاع عن أملاكهم، يخرج الشعب ليسترد ما سرقته منه الأنظمة السياسية.
نعرف أن مظاهرات باريس سيكون لها ما بعدها، ليست كرة ثلج تكبر ثم تذوب، ولكنها كرة لهب تتدحرج نحو العواصم القريبة منها وتزداد اشتعالًا، وعلى الضفة الأخرى تنظر واشنطن للأحداث بعين لا تخلو من سخرية ترامبية فجة.
ما يهمنا رصده الآن هو قراءة الرقصة المبتذلة التى يؤديها قطاع ليس قليل من النخبة المصرية مع كل انتخابات فى عاصمة أوروبية، فعندما جاء ماكرون للحكم متفوقًا فى صناديق الانتخابات وملفتًا للنظر لصغر سنه، قرأنا عشرات مقالات الترحيب التى تحلل انتصار العقل على التطرف الذى كانت تمثله منافسته، وقرأنا بما يشبه المعايرة مقارنات بين عبقرية الناخب الغربى وحماقة الناخب العربى إذا انتخب حاكمه.
لم يقل هؤلاء النخبويون أن ماكرون صعد بعد أن تم قطع الطريق على منافسه الاشتراكى بالتزوير لينافس ماكرون مرشحة اليمين التى هزمها بسهولة، لم يجتهد المراقبون فى رصد بديل ثالث فى أى منافسة انتخابية غربية، يحدث هذا أيضًا فى الانتخابات الأمريكية بمختلف دوراتها من كلينتون الوسيم وصولًا لترامب المتوحش، نكون فى شرقنا العربى كما جماهير الكرة إما أهلى أو زمالك.
وعندما تدور عجلة الحكم فى تلك العواصم نشهد المجازر والمساخر التى يرتكبها هؤلاء الغنادير، وندفع نحن الثمن، فهل يخجل أو يعتذر هؤلاء الذين كذبوا بعد أن ثار الشعب الفرنسى معلنًا الحقيقة.
المهم فيما نراه الآن هو أن نتعلم فضيلة التأنى والرصد الدقيق الأمين، فلا نفرح بما يدغدغ مشاعرنا ولا نحزن على انهيار أصنام، نتعلم أن مصالحنا فى الداخل والخارج هى المعيار الأول الذى نحدد عليه مواقفنا، لذلك أتابع الأحداث فى فرنسا من جمهورنا المصرى على السوشيال ميديا، فهو إذا انطلق فى ماكينة السخرية إنما هو يحدد موقفًا سياسيًا تعجز النخبة المثقفة عن البوح به، فالمصالح فى السياسة والثقافة أكبر بكثير من مصالح رجال الأعمال والبزنس.
وطالما الأحداث مازالت ساخنة وتتطور يومًا بعد يوم، فعلينا الانفتاح على مصادر متنوعة للأخبار وعلينا قراءة المختلف مع تصوراتنا قبل أن نقرأ لمن يوافقنا، فالحقائق فى الأحداث الساخنة دائمًا تتوارى خلف سحب الدخان ولا يمكن رصدها بسهولة إلا بعناء المجتهد، لسنا مع وهم المؤامرة الذى يحاول البعض تصديره عما يدور فى فرنسا، ولكننا واثقون من جدية الأسباب الموضوعية التى خرج من أجلها الناس.