السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أنا حرة.. لا عزاء للمتربصين بقوت المواطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعض المفردات تتحول فورًا إلى أحكام تشكيك أو نوايا سيئة رغم الارتباط الوثيق الذى يجعلها وجهين لعملة واحدة.. كما الحال مع قضية الدعم والفئة المستحقة له. الاقتراب من هذه المشكلة الاقتصادية - الاجتماعية أصبح بمثابة اقتحام «عش دبابير» يستدعى ردود أفعال التحفز والريبة تجاه المساس بحقوق الطبقات غير القادرة، وهو ما يبدو مبررًا لما حدث من انقطاع الثقة بين المواطن والحكومات المتتالية نتيجة عقود الترهل السياسى الذى انعكس على أداء هذه الحكومات. أزمة الثقة هذه لم تغب عن اختيارات الرئيس السيسى لمنظومة أداء حكومى تعتمد على التواصل المباشر مع المواطن تحديدًا فى مجال الخدمات الأساسية.. هذا التفاعل أثمر إلى درجة بعيدة عن إعادة بناء جسور الثقة خصوصًا فى معالجة ملف حيوى يحتل أولوية اهتمام شريحة كبيرة من مستحقى الدعم.
اتفقت الآراء، بما فيها الصادرة عن وزارة التموين، على عدم كفاءة منظومة الدعم بوضعها السابق، حيث إن أغلبية المستفيدين كانت من الفئة غير المستحقة للدعم الحكومي. بدأت تنقية البطاقات التموينية كخطوة أولى نحو الطريق الصحيح، رغم صعوبة الإجراء فى بلد يكاد يبلغ تعداد سكانه 100 مليون نسمة، لكنه لا يعتبر مستحيلًا فى إطار تنسيق مع وزارات وهيئات تتعاون مع وزارة التموين فى تنقيح البطاقات التموينية.. هذا بالإضافة إلى أن جميع المعايير التى طرحت، بعيدًا عن الشائعات، تبدو عادلة سواء حذف من يزيد دخله عن 10 آلاف جنيه أو تحديد مستحقى الدعم وفق ثلاثة بنود هى الدخل، الإنفاق، الامتلاك.. وربط جدوى هذه الإجراءات بإقرار خبراء الاقتصاد أن التحول إلى الدعم النقدى لا يصلح فى الوقت الحاضر لأنه سيتسبب فى ارتفاع جنونى للأسعار بالإضافة إلى صعوبة ضمان وصوله للمستفيدين الحقيقيين لأن النقد سيصرف لصاحب البطاقة نيابة عن باقى الأسرة، وهو ما لا يحقق التأكد من وصول الدعم لكل الأفراد فى البطاقة. عملية الإصلاح فى منظومة حيوية توالت عليها الأخطاء عبر عقود بالتأكيد ستثير الجدل ومحاولة الطعن فيها من المستفيدين أو مدمنى «المعارضة من أجل المعارضة».. لكن الوعى العام الذى أظهره المواطن تجاه مرارة الإصلاحات الاقتصادية التى تراكمت سلبياتها عشرات السنين بالتأكيد لن يجعله فى خندق معارضة الإصلاح خصوصًا إذا اطمأن أنه سيحكم إغلاق الثغرات أمام الممارسات الفاسدة التى يتسلل منها البعض لسرقة مصادر قوته الأساسية وتربح الملايين من هذه الجريمة.
عبر التاريخ.. خاضت دول إجراءات بلغت أقصى درجات التقشف والحزم من أجل بناء اقتصادها، كما عمد رئيس الوزراء البريطانى تشرتشل بعد الحرب العالمية الثانية، أو التغلب على مشاكل الزيادة السكانية حين فرضت رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندى منتصف السبعينيات سياسة صارمة بلغت إصدار أوامر إلى الشرطة لإجبار العائلات على تنظيم الأسرة واستخدام التعقيم الإجباري.. الدرس المطلوب فقط من هذه التجارب فى إدارة منظومة وصول الدعم إلى مستحقيه هو الحزم من أجل تحقيق مصالح شرائح كبيرة فى مصر. إعادة تفعيل الدور الأساسى الذى أنشأت من أجله منظومة المجمعات الاستهلاكية فى عهد الرئيس عبدالناصر بهدف بيع للمواطن محدود الدخل سلعة بأقل سعر واعتماد نسبة ربح مخفضة، أصبح ضرورة موازية للإجراءات الإصلاحية. وزارة التموين، التى بدأت بنجاح خطة إنشاء شبكة توزيع منضبطة من المنافذ المتنقلة والثابتة خلال المرحلة الأولى من مشروع «جمعيتي» عليها المضى خطوة أخرى فى إعادة ملف المجمعات الاستهلاكية إلى مساره الأصلى ليتم قصر بيع السلع المدعومة داخلها على حاملى البطاقات التموينية بعد الانتهاء من مرحلة تنقيح هذه البطاقات. الأصل فى هذه المجمعات ليس أن تكون بديلا لمحلات «السوبر ماركت».. ومتاحة حتى أمام طبقة القادرين على الشراء، مع انتشار سلاسل الأسواق التجارية - والكثير منها يوفر بضائع بسعر مخفض - يبدو الاتجاه إلى قصر خدمة البيع فى المجمعات على مستحقى السلع المدعومة هو منتهى العدل رغم الجدل العقيم الذى يصاحب عادة القرارات الحاسمة من أطراف أصلا غير معنية بصالح المواطن الذى سيرحب بأى خطوة إصلاحية طالما اطمأن إلى نزاهة تطبيقها. تفعيل دور المجمعات الاستهلاكية كمنظومة خدمية سواء تطلب الأمر إعادة الإشراف عليها إلى وزارة التموين أو إيجاد آلية تنسيق مع هيئة الرقابة الإدارية، ما سيمكن قبضة الدولة من السيطرة على ضبط الأسعار والحد من الممارسات الاحتكارية فى تخزين السلعة أو إغراق السوق بها وفقًا لحسابات التجار.
تحميل الحكومة كل المسئولية والمهام لا يبدو منطقيًا.. الوعى العام الذى دفع المواطن إلى المشاركة فى مشاريع قومية ناجحة منذ شق قناة السويس الجديدة حتى حملة 100 مليون صحة.. لا يليق به سلبية الاستسلام إلى الأمر الواقع وعدم المشاركة فى الحد من فساد وجشع المتاجرين بقوته والإبلاغ عنهم خصوصًا أن سجل نجاحات الأجهزة الرقابية ضد بؤر الفساد أصبح مكشوفًا بشفافية أمام المواطن.