الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أنانية حداد السلام وطليقته.. لعنة قتلت أطفالهما الثلاثة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصمت يسيطر على شقة الضحايا، لعب كثيرة ودراجة أعلى الدولاب وأحذية ملقاة على الأرض وملابس أطفال على السرير، إنها بقايا تركها الصغار، وذهبوا فى رحلة الموت، رحلة اللاعودة.
الجيران لم يتوقفوا عن إخبار أطفالهم أن القصة انتهت، وأن "ملك وعمرو ومحمد" ماتوا، ولكن كيف يقنعون أبنائهم بذلك، كيف يقنعوهم أن الأب قتلهم، والأطفال يكررون السؤال "هو إحنا مش هنلعب تانى مع ملك وعمرو ومحمد يا بابا؟".
"بابا هتتصالح أمتى أنت وماما".. جملة ظلت الطفلة ملك ترددها طوال أكثر من 7 أشهر على أذان والدها، حتى قرر أن يلقى بها وأشقائها محمد وعمرو داخل نهر إمبابة بالجيزة، ويلقى بنفسه خلفهم دون أن يتردد أو تأخذه الشفقة والرحمة بأطفال أبرياء ليس لهم أي ذنب، سوى أنهم ولدوا فوجدوا أنفسهم أبناء لأب وأم قتلتهم قلوبهم الأنانية، فلم يفكرا سوى فى أنفسهما فقط.
ملك ابنة أحمد، الشهير بـ"حداد السلام"، صاحبة الـ13 ربيعًا، كانت أكثر وعيًا ونضجًا من والدها ووالدتها، الطفلة حددت مشكلة أسرتها المفككة وأوجدت الحل، حاولت مرارًا وتكرارًا إعادة حبل الوصال بين الأب والأم، فكلما قابلت أمها فى الخفاء تسألها "أمتى هتتصالحى انتى وبابا يا ماما، نفسي نكون معاكم"، ونفس الإلحاح وبنفس الحماس الطفولى البريء كانت تردد الطفلة السؤال على أذان والدها، ولكن من يسمع للحل؟
لم تسمع الأم للحل، ولم يتوقف الأب عن فكرته وهى الموت، فكانت اللعنة حاضرة، ففى يوم الجريمة، اليأس والأنانية كانا حاضرين فى ذهن الأب الجاحد، الأب حدد المكان والزمان، وتوجه إلى الأهالى يودعهم "سامحونى، متزعلوش منى لو عملت حاجة"، وطلب من أطفاله أن يرتدوا ملابسهم "رايحيين مشوار"، ارتدت ملك ملابسها بكل براءة، وكذلك عمرو، 8 سنوات ارتدى ملابسه، وألبسوا محمد 3 سنوات، خرجوا من الشقة وأغلقوها.
خرج الجميع من الشقة، الأب يحمل محمد، وملك وعمرو يمشيان بجواره، لعل والدنا ذاهب بنا إلى الملهى، لعله ينتوي أن يحضر لنا ملابس جديدة، لعله قرر أن يشترى لنا لعب جديدة، لعله ذاهب بنا إلى والدتنا كي يتصالحا ويعودا مرة أخرى، أسئلة كثيرة يطرحها الصغار، ولكنهم لم يتوقعوا مطلقًا أن ذلك الأب هو عزرائيل الموت، فليس هناك لعب ولا ملهى ولا ملابس جديدة، هناك فقط موت.
لقد وصلنا يا أطفالى.. الأطفال ينظرون إلى الأب صامتون، إنها نظرة الوداع، وعلى جانبي نهر النيل، يمسك الأب بأطفاله الأبرياء الواحد تلو الآخر ويلقى بهم فى النهر وكأنهم ملابس قديمة، أو متعلقات ليس لها ثمن، يُلقى بأرواح تعلقت به على مدار سنوات، يلقى بفلذة كبده إلى الموت، الأطفال ينظرون إلى الأب فى مشهد النهاية وهم لا يعلمون إلى أين ذاهبون، وماذا يفعل والدنا، الموت كان ينتظر الجميع، رحلت ملك وعمرو ومحمد، فى مشهد مأساوى أبكى الجميع.
ورحل الأب خلفهم، وظلت الأم ترقد على السرير تتألم وهى تتخيل مشهد نهاية أطفالها، تلك الأم التى ظلت شهور دون أطفالها، الآن تبكي مرارة الحسرة على فقدانهم، هؤلاء الأطفال الذين كانوا يحلمون بحنان الأم ورحمة الأم ولكن لم يجدوها.
شعور قاسٍ للغاية، أن يكون مصدر الأمان والحنان، هو نفسه مصدر التهديد، بل والأكثر قسوة أن يلتفت الصغار يمينًا ويسارًا حولهم، فلا يجدون الرعاية والحنان والاهتمام من أب وأم باعا القضية من بدايتها، يجدون فقط نهر قاسٍ يغوصون فى أعماقه، حتى يلاقوا رب كريم، أرحم عليهم من أب وأم متحجرى القلب، فى قصة هزت الجميع، قصة انتهت بجثامين أطفال على جانبي النهر.