الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحضور القبطي المعاصر في الكنيسة والدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
(7) رموز قبطية على أرضية الوطن:
نتوقف اليوم - في ختام سلسلة مقالاتنا عن الحضور القبطي في الكنيسة والوطن - عند بعض النماذج القبطية التي كان لها دور فارق ومؤثر في مسيرة الوطن، ونرصد أن القرنين التاسع عشر والعشرين قد شهدا إضاءات قبطية ومشاركات فاعلة على أرضية الوطن ولحسابه، كانت الانطلاقة من نبوغهم في شؤون الإدارة والمالية، نظراً لاهتمام الأقباط بتعليم أولادهم فنونها، فاستعان بهم غالبية - إن لم يكن كل - الحكام على امتداد التاريخ، وخاصة بعد الدخول العربي لمصر، ولا تستثنى من ذلك الحملة الفرنسية.
وقد رصد الكاتب ملاك لوقا، الوجود القبطي في عديد من المجالات الإدارية والسياسية والصحفية، وأيضا في مجالات الفنون والإبداع، بما يتجاوز قدرات بضع سطور أو صفحات على احتوائه، ويمكنك الرجوع إلى كتابيه: "الأقباط: النشأة والصراع من القرن الأول إلى القرن العشرين" الصادر عام 2001، و"أقباط القرن العشرين" الصادر عام 2009.
وفي مطلع الألفية الثالثة أجرى الدكتور عمرو عبد السميع العديد من الحوارات، ضمّنها في كتابه "الأقباط والرقم الصعب.. حوارات" الصادر عن مكتبة الأسرة عام 2001، وكانت مع بعض من النخبة القبطية وخاصة في دائرة الفكر والعمل العام، بشكل يكشف الثراء والتنوع المصري القبطي، ونشير الى خمسة منهم على سبيل المثال لا الحصر، فالقائمة ممتدة :
* الدكتور يونان لبيب رزق - 27 أكتوبر 1933 ـ 15 يناير 2008 - وهو مؤرخ مصري معاصر، رأس قسم التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة عين شمس، خصصت له جريدة الأهرام صفحة أسبوعية بعنوان "الأهرام ديوان الحياة المعاصرة"، وله العديد من المؤلفات والكتب كما أنه كان عضواً في لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضواً بمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة، وكان له دوره البارز فى إثبات أحقية مصر فى منطقة طابا ضمن الفريق المصري المتميز في مباحثات استردادها، ونجح في ذلك.

* الدكتور ميلاد حنا - 26 نوفمبر 1924 ـ 24 يونيو 2012 - كاتب ومفكر سياسي وأستاذ الهندسة الإنشائية، يُعدّ واحداً من أبرز الكتاب والمفكرين السياسيين، وواحدا من بين المشاهير الذين شملتهم اعتقالات سبتمبر 1981، قبيل اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات بأيام مع رموز الحركة الوطنية، حصل على بكالوريوس الهندسة المدنية جامعة القاهرة 1945، وحصل على الدكتوراة في هندسة الإنشاءات من جامعة "سانت أندرو" في اسكنلندا عام 1950، ثم عُيّن معيداً بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وتدرج في عدة مناصب حتى عُيّن أستاذاً متفرّغاً بهندسة عين شمس عام 1984، وألف العديد من الكتب المهمة، منها: "أريد مسكنًا" عام 1978، "نعم أقباط لكن مصريون" عام 1980، ذكريات سبتمبرية عام 1987، "قبول الآخر" عام 1998، وحصل على عدة جوائز دولية من بينها: جائزة "فخر مصر" من جمعية المراسلين والصحفيين الأجانب بمصر عام 1998، ووسام "النجم القطبي الذي لا يخبو" - بدرجة كوماندوز - من ملك السويد عام 1998، وجائزة سيمون بوليفار من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" عام 1998، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1999، كما كان أيضا عضوا في المجلس الأعلى للثقافة المصري، وتوفى عن عمر يناهز 88 عاما. 

* الدكتور لويس عوض - 1915 ـ 1990 - مفكر وكاتب خاض معارك فكرية عنيفة في الدفاع عن الفكر المصري، وثّقها في موسوعة كتاب "تاريخ الفكر المصري الحديث"، والتي صدرت في عدة أجزاء تناولت الصراعات الفكرية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وأثارت حالة من الحوار الجاد والحاد بين مؤيد ومعارض، ولد في المنيا ونال ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف عام 1937، ثمّ حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة كامبريدج 1943 والدكتوراة في الأدب من جامعة بريستن 1953، وعمل مدرسا مساعدا للأدب الإنجليزي ثم مدرسا ثم أستاذا مساعدا في قسم اللغة الإنجليزية، في كلية الآداب جامعة القاهرة بين 1940 ـ 1954، ثم رئيس قسم اللغة الإنجليزية، ثم استقر به المقام في جريدة الأهرام ليطالعنا إلى جوار عمالقة الفكر والفلسفة والأدب بمقال أسبوعي.

* إدوار الخراط، وهو كاتب وأديب مصري ولد في الإسكندرية عام 1926 في عائلة قبطية أصلها من الصعيد، حصل على ليسانس الحقوق جامعة الإسكندرية 1946، شارك في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية 1946، واعتقل في عام 1948 في معتقلي "أبو قير" و"الطور"، عمل في منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية، في منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين عام 1959،  ثم تفرغ بعد سنوات لكتابة القصة القصيرة والنقد الأدبي والترجمة، فاز بجائزة الدولة عن مجموعة قصصه القصيرة "ساعات الكبرياء" عام 1972، ويمثل إدوار الخراط تيارًا يرفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينيات، ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات، ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر لـ "الحساسية الجديدة" في مصر بعد عام 1967، اعتبرت أول مجموعة قصصية له - الحيطان العالية ـ 1959 - منعطفًا حاسمًا في القصة العربية،  إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آنذاك، وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، ثم أكدت مجموعته الثانية "ساعات الكبرياء" هذه النزعة إلى رسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد، أما روايته الأولى "رامة والتنين" التي صدرت عام 1980، فشكّلت حدثًا أدبيًا من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصر أسطورية ورمزية، فرعونية ويونانية وإسلامية، ثم أتبعها بعدد من القصص والروايات المتحررة من الاعتبارات الأيديولوجية التي كانت سائدة من قبل.

* المستشار الدكتور وليم سليمان قلادة - 1924 ـ 1999 - وكيل مجلس الدولة، والمهموم بتأكيد قيمة ومفهوم المواطنة ووضعية الأقباط في الجماعة الوطنية، بل يُعدّ من أوائل المؤسسين لفكر المواطنة باعتبارها مدخل الجماعة الوطنية المصرية إلى تحقيق النهضة ومواصلة المسار الحضاري والتقدم الحقيقي لحساب الإنسان / المواطن، وقد قدم للمكتبة المصرية العديد من الدراسات والأبحاث، وشارك في العديد من الفعاليات الفكرية في ذات الاتجاه، تناول فيها نشأة مبدأ المواطنة في مصر تاريخياً وفقهياً ودستوريا، ومن أبحاثه: "الأقباط من الذمية إلى المواطنة" والذي نشر ضمن كتاب "مصر في القرن 21 ـ الآمال والتحديات"، الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر عام 1996، وحتى قبيل رحيله كان يشارك في فعاليات المجلس الأعلى للثقافة حتى مارس 1999، ببحث متعمق عن الدور الوطني للكنيسة المصرية عبر العصور، ويمتد إسهام الدكتور المستشار وليم سليمان إلى أكثر من 75 كتاباً وبحثاً ودراسة، فضلاً عن مئات الندوات التي غطّت هموم المواطن المصري، وكانت تؤسس وتدعو إلى قيام علاقات سوية بين مكونات المجتمع على أساس انتسابهم للوطن، وقد كان لإسهاماته الفكرية دور في نمو شجرة المواطنة واعتبارها إحدى أهم مقومات الدولة المدنية، حتى قفزت إلى النصوص الدستورية واستقرّت في مقدمة الدستور في مادته الأولى في تعديلات 2006 على دستور 1971، وبعد اختفائها في دستور 2012 تعود لتتصدر دستور 2013، بل وتضفي بظلالها على العديد من مواد هذا الدستور، لتجعل من محاورها - في المساواة وسيادة القانون ودعم الحريات اللصيقة بشخص المواطن - ثوابت لا تقبل الانتقاص، وتذهب إلى ربط الحاجات الأساسية الصحة والتعليم بمعايير الجودة العالمية بما يدعم حقوق المواطن في حياة كريمة.
وما زال نهر العطاء المصري القبطي للوطن متدفقاً.