الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ثمة ما يوجع القلب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثمة ما يوجع القلب عندما ينشغل المجتمع بفستان طال أو قصر، أكثر من انشغاله بامرأة يمنية تضع إصبعها فى فم طفلها لتوهمه بالرضاعة، لأن صدرها جف لبنه ولا تجد ما تسكت جوعه به كالحكاية القديمة للسيدة التى كانت تغلى الأحجار فى إناء على النار لتوهم أبناءها الجائعين بأنها تطبخ حتى ناموا. ثمة ما يوجع القلب حينما ينشغل المجتمع بمعركة بين شطة، ولا أتذكر اسم المغنى الآخر إن جاز أن نطلق عليهما لقب (مغنيين) لتشتعل الميديا بمعركة غريبة ومواقع التواصل الاجتماعى بين السخرية و(فُرْجَة الفتارين) والموجع أكثر أننى قرأت بوستات عن موت ابن أحد هذين المتحاربين امتزج فيها خبر الوفاة بالتعليقات الساخرة. فمم تسخرون أيها الناس؟ من الموت؟! هناك شعرة دقيقة بين الفكاهة والسخرية هناك درب وعرة بين الإنسان والقتل المعنوى هناك آلام فقط بين الإنسانية واللإنسانية فلا تسمحوا لها أن تتحول إلى ضحكة على وجع آخر أو مأزقه أو حاجته، لأن المتأمل سيرى الحقيقة. سيراها سوى ضحكة خبيثة تظهر حجم فراغ أرواحك. لا تسمحوا لها أن تتحول إلى خنجر متخفٍ فى صورة كلمة ترشقه فى قلب من تسخر وهو أضعف من أن يدافع عن نفسه أو ربما ليس لديه وقت للرد فلا يستطيع سوى أن يكتم دمه بكفه ويمضى فى طريقه. انظروا إلى ظله الذى يمضى فى اتجاه النور كاشفًا عن سير الدماء ومعريًا المتنمر الذى بداخلكم. ثمة ما يوجع القلب أن ينقسم المجتمع حول النقاب ويصل الأمر إلى حد المعارك والشتم والسباب على الصفحات الخاصة وفى المجالس العائلية والتجمعات النسائية والرجالية أيضًا فى المصالح الحكومية وفى السوق وعند السيدة التى تشوى السمك.ليس النقاش هو ما يزعجنى، فالحوار المجتمعى أمر صحى إيجابى بل ضرورى لاستعراض مختلف الآراء ووجهات النظر التى تقربنا من بعضنا، وتفتح طريقًا لمساحات أرحب من التواصل الجميل. ما يزعجنى ويزعج الكثيرين من أشباهى، هو قدر التعصب فى الحوار. الذى قد يجعل من يستمع إليهم يظن أنه أمر منزل من الله، ورسوله الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، قال: الوجه والكفان. ماذا يضير الرافضون، وماذا يزعج المستمسكون به والمشجعون له إن استمع كل منهم إلى الآخر بهدوء. لماذا أغلقنا آذاننا وحولناها إلى دروع وتحولت ألسنتنا إلى حراب والأمر أسهل بكثير من كل ذلك. لكل قناعته فيما لا يتنافى مع القوانين والسلامة المجتمعية. من ترتدى النقاب لا تتوانى عن كشف وجهها لسيدة حينما يطلب منها ذلك هذا من وجهة نظرها ومن يعارض النقاب يرى أن من تجلس بجوار زوجته أو ابنته فى المترو أو الأتوبيس مثلًا قد يكون رجلًا، كما قرأت فى أحد التعليقات لأن الحياة فى المدن الكبيرة المزدحمة يختلف عن المدن الصغيرة الهادئة وجميعها آراء لها وجاهتها. فلكل مبرراته وطريقته فى التفكير وهذا حقه لكن ليس من حقه أن يعادى الآخر ويفرض عليه وجهة نظره.فى حين أننا لو استمعنا إلى بعضنا بقلوبنا سيتسع العالم، ويعم النور فنرى ما هو أبعد من ضوئنا الخاص بنا فقط. لدىّ زميلات عزيزات منقبات ولدىّ محجبات غير محجبات. ما يجعلنى سعيدة بهن هى الروح الطيبة والوعى بحرية الآخر ومساحته الشخصية وحريته ووزن الشراكة فيما بيننا بميزان المعاملة التى قال عنها الرسول الكريم الدين المعاملة، أى التطبيق. ثمة ما يوجع القلب أن تدافع عن حرية الآخرين وينكرها عليك من تدافع عن حريتهم، أن تصد عن الآخر أشكالًا من القتل المعنوى بالشاعات المغرضة التى تسيئ إليهم بينما يساعدون هم من يستخدم نفس السلاح تجاهك إما بترديدها دون أن يعملوا عقولهم للحظات أو بالصمت حيال من يرددها، وهم أعلم بكذبها فيشتركون هم أيضًا فى قتلك وظلمك بحيادية تعد اختيارًا بالتخلى عنك وترككك لتواجه معركة حاربت أنت فيها من أجلهم قبل ذلك، وانتصرت لهم فلما دارت الدائرة نفضوا أيديهم عنك. ثمة ما يوجع القلب أن ينتشر فايروس الشللية فى الوسط الأدبى وتنراجع الموضوعية، أن تسير الأمور بقدر حضورك الفيزيائى أو بقدر معارفك أو بما تمتلكه من مساحة فى موقع أو جريدة أو فعالية سيكتب فيها مضيفك اسمه أو يجلس فيها على منصة لدقائق، بينما يغض الطرف عن الذين يعملون فى صمت ولا يتسولون أحدًا، وينجزون أعمالًا هى لبنات عالم حقيقى فى مسيرتهم لا عالم وهمى عمادة الفوتوغرافيا وملء المواقع الحكومية بأسماء وأشخاص وأضواء ودراسات تشبه الحقيقة وليست بحقيقة. ثمة ما يوجع القلب أن لا ننتبه إلى ما بيدنا قدر ما نشغل بما فى يد الآخر. أن يسترعى انتباهنا ما ينجزه الآخر لا لنغبطه وإنما لنهدمه ونغيبه أو نعرقله أو نطلق الشائعات عنه فى حين أن كل منا لو أنتبه إلى حياته وإلى عمله ووجد السبيل إلى نوره الخاص ستضيئ حياته ويضىء المجتمع وتعود البسمة.