علاقة الإخوان المسلمين بالعنف قديمة قدم المؤسس الأول حسن البنا الذي رمى البذرة الأول للتنظيم في نهاية العشرينات من القرن الماضي، فقد نجح «التنظيم» في الإشارة إلى كونه جماعة دعوية على خلاف الحقيقة التي أثبتتها رسائل «البنا» وممارسة أتباعه فيما بعد.
الجدل الذي أثاره التنظيم إزاء علاقته بالعنف لم يكن جدلًا عفويًا، وأثبتت الجماعة قدرتها على التلون خلال العقود التي مرت عليها منذ نشأتها التي قاربت قرنًا من الزمان، هذا الجدل أوقع بعض الأمنيين في قراءة «التنظيم» قراءة خاطئة ونفس الشيء جرى على السياسيين والتنفيذيين وبعض المتخصصين في ملف الحركات الإسلامية.
الأمر لم يقتصر فقط على بعض المثقفين والسياسيين والمراقبين وإنما امتد الأمر لبعض الأنظمة السياسية التي كانت وما زالت تقرأ «التنظيم» قراءة خاطئة أو غير دقيقة، ظنًا منهم أنها حركة دعوية خالصة تمثل الإسلام الصحيح والوسطي، وهذه صورة من صور الجهل بالتنظيم ومكوناته الفكرية
عبقرية «الإخوان» في خلطها بين مفهومي الجهاد والعنف، فجعلت شعاراته «الجهاد سبيلنا.. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا»، وهو لا يُدرك أن هذا الشعار ما عاد ملائمًا ولا مناسبًا، هذا على فرضية أنه رفعه في وجه المحتل الإنجليزي، ولكن الحقيقة أن فكرة الإخوان تحتوي بداخلها على مفهوم العنف، ولذلك فهي تُربي أتباعها على الرياضات العنيفة فيما تسمية بالجوالة، تمهيدًا لممارسة العنف وفق مساراته أو كخطوة من الخطوات، وقبل ذلك هناك التقسيم الداخلي والمسمى الكتائب، وهي إحدى وسائل التربية عند الإخوان، وهو مصطلح عسكري، ودرجة من درجات صعود سلم العنف، وهنا يمكن القول إن ممارسات التنظيم السابقة واللاحقة ليس لها علاقة بمفهوم الجهاد فهو العنف لا غيره.
وهذا لا يجعلنا نستغرب مطلقًا أن أمراء أغلب قادة التنظيمات المتطرفة، وبعض أعضائها مروا على الإخوان ونهلوا من معينه وتشربوا من أفكاره، ولكن أرادوا أن يكونوا أكثر صراحة في ممارسة العنف من الإخوان أنفسهم، فمن وسائلهم أن تكون دعوتهم علانية، وليست سرية كما الإخوان، فمارسوا العنف علانية دون مراوغة، مثل جماعتي الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية، ومن بعدهما "جماعة المسلمين"، والمعروفة إعلاميًا بجماعة التكفير والهجرة، والشوقيين وغيرهم.
وهنا نود أن نشير إلى أن ممارسة الإخوان للعنف لم تكن على خلفية قرار، فالمناهج التربوية داخل التنظيم ووسائلهم أدت إلى تشرب المناهج التربوية التي حرضت على العنف بكل درجاته، وذكاء التنظيم في أنه يتحكم في درجة هذا العنف وموعده، ولعل هذا سر بقاء الجماعة قرابة قرن من الزمان، فضلًا عن الجهل بحقيقتها، وفشل المؤسسات المعنية في تفكيك أفكارها.
مما لا شك فيه أن أفكار الإخوان المسلمين غير صائبة أو حتى صالحة للزمن الذي نعيش فيه، ولكن هذه الأفكار عاشت عقودًا طويلة رغم رداءتها، لأسباب ترتبط بأمرين أولهما أننا فشلنا في فهم التنظيم، كما أننا فشلنا في تفكيك أفكاره أو الرد على المقولات المؤسسة له، فبينما تسلحت الحركة بالفكرة وحصنت هذه الفكرة بمقولات تجمع حولها النّاس، بينما انصرفنا نحن عن فهمها، انصرف جل تفكيرنا لمواجهتها أمنيًا فقط دون التسلح بالمواجهة الفكرية عبر واجهة الفهم أولًا، ثم تفكيكها ثانيًا.
ولذلك، تظل مواجهتنا للإرهاب في طريقه الطويل ما دمنا افتقدنا أحد أركان المواجهة الأساسية، وهي التعرض لأفكار الإخوان بحسبانها المؤسس الأول، وحائط الصد المنيع لأفكار باقي التنظيمات المتطرفة، وهنا لا أقصد المواجهة السياسية، وإنما مواجهة أفكارهم مواجهة جريئة وواضحة ومبنية على معلومات تدفعنا في النهاية لتفكيكها، بحيث لا تتحول كمثيلاتها لمجرد مواجهة سياسية تنشط وتخبو بينما لا تزال الفكرة حية.
المواجهة الحقيقية للإخوان لا بد أن تكون عبر فكرتها، فهي محل التأثير الحقيقي، ومن خلالها تنجح في الاختراق والتأثير والتجنيد، والمشكلة ليست في القطاعات العريضة التي تتبع هذه الأفكار أو تأثير هذه القطاعات، وإنما في خطورة الفكرة التي نواجهها أمنيًا فتزداد الفكرة بهاءً لدى أتباعها الذين ينجحون عبر خطاب المظلومية في الوصول لقطاعات أكبر، فيظل المجتمع حبيسًا لهذه الأفكار الرديئة؛ لأننا واجهناها بطريقة خاطئة وغير مجدية، قطعنا أحد أطرافها التي تتحرك عليها، بينما ظل عقلها يعمل وحواسها تميز الخطر، وقد واصلت المسير على أطراف أخرى بديلة.