السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أنا حرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نتنياهو.. إِنقاذ بمذاق الفشل
أجواء المناورات الحافلة التى أحاطت رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو وكتلته البرلمانية الحاكمة لم تكن نتيجة قصور فى استيعاب الأزمة بقدر ما تمثل آخر محاولات التشبث بالسلطة حتى وإن طغت هذه الرغبة على خطورة المساس بالهاجس الغالب على طبيعة الشخصية اليهودية والذى شكل جزءا من عقيدة دأبت على تصديرها إلى العالم عبر عصور التاريخ مفادها غلبة الأمن على الاعتبارات السياسية والديمقراطية وتهويل وجودها داخل محيط دول معادية.
اللعب بورقة الهاجس الأمنى تجنبا لسقوط حكومة نتنياهو ذهب إلى تجريد نظرية الأمن من كل التعريفات التى اتفقت على ضوابط وأولويات هذا الملف الذى يتصدر أولويات الناخب الإسرائيلي، لا يغيب عن نتنياهو أن تراكمات القمع الوحشى لعبت دورا كبيرا فى فتح أبواب جحيم الانشقاق والتناحر بين القوى الفلسطينية.. وهى لعنة لن تصيب الشعب الفلسطينى فقط، بل ستخلق تداعيات أكثر وبالا على المواطن الإسرائيلي، انتماء جميع قادة إسرائيل السابقين إلى المنظمات الإرهابية الصهيونية مثل «شتيرن»، «الهاجانا»، «الأرجون» وغيرها، منحهم الخبرة الكافية عن فوارق الحرب بين جيشين مقارنة بالدخول فى صراع ممتد مع قوى مسلحة، حيث يصعب تحديد نوعية أو مساحة أو توقيت الضربات المتبادلة وعدد ضحاياها من الطرفين. رد الشارع الإسرائيلى بدا متسقا مع هذه الحقيقة عبر استطلاعات رأى أكدت أن 70% من المواطنين يؤيدون إجراء انتخابات مبكرة تعبيرا عن عدم رضائهم من أداء نتنياهو فى المواجهات التى اندلعت مؤخرا مع حركة حماس، ما يعكس رفضهم للمراوغات «الليكودية». تعلق نتنياهو بقشة الهاجس الأمنى سيصطدم باستحالة تحقيقه عن طريق تصريحات ساذجة من وزراء حكومته تحذر قادة حماس بأن أيامهم أصبحت محدودة أو «أن إسرائيل أقرب من أى وقت مضى لإعادة احتلال جزء من قطاع غزة لتفكيك البنى التحتية للإرهاب!».
تحقيق منظومة أمنية صلبة لا يُقاس بمساحة الكيلومتر المربع، حين تكون على طبيعة أرض لا تفصل بين مواطن فلسطينى أو إسرائيلى سوى أمتار قليلة.. كما ثبت عجز أى آلية قمع عسكرية فى قطع الطريق أمام تدفق ضربات دفاعية من طرف كفر بصمت العالم عن عدالة قضيته.. حتى ترسانة إسرائيل النووية وقصفها الوحشى المتكرر لقطاع غزة لن يضمنا لها النجاح المطلق. حكومات إسرائيل المتتالية أجهضت المعادلة الوحيدة القادرة على تخفيف حدة الهواجس الأمنية الإسرائيلية.. مساعى توالت منذ إطلاق ملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز عام 2002 مبادرة الأرض مقابل السلام، حتى جهود الوساطة المصرية منذ أيام من أجل التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. جوهر هذه المعادلة يتعدى الرؤية القاصرة الغالبة على تقارير وسائل الإعلام والمراكز الاستخباراتية الإسرائيلية، سواء ربطت مسيرة الفشل الأمنى بنتنياهو أو أى حكومة سابقة أو آتيه. غليان المشهد الحالى يستدعى مراجعة الفكر الأمنى الإسرائيلى حول جدوى تغليب حلول القمع وتكثيف العمليات العسكرية التى ستسفر عن سقوط المزيد من القتلى بين الطرفين. القيادات العسكرية والسياسية تعى جيدا أن أى حرب على غزة لن تخرج عن خسارة طرف ليس لديه ما يخسره- سكان قطاع غزة-، وفشل أمنى جديد لإسرائيل نتيجة سيطرة منطق القمع العسكرى بدلا من الحلول السياسية الكفيلة بوضع حد لعدم تكرار اشتعال الصراع فى غزة.
غياب الأفق السياسي، حتى عند أحزاب الوسط واليسار من شأنه أيضا إثارة موجات غضب شعبى فى ظل سيادة أجواء تعمد إلى تضليل مسار موجات الاحتجاج هذه نحو مغالطات تروج إلى ربط تبنى الحلول السياسية بضعف الموقف الإسرائيلي.. والتشبث برؤية تصطدم مع كل دلائل الجغرافيا والتاريخ التى تشير بقوة إلى تكرار انفجار بركان العنف ما لم ترضخ إسرائيل لواقع سياسى يسمح بإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جوارها. حدة التناحر السياسى والدعوات المكثفة من التيارات اليمينية المتطرفة للخروج فى مظاهرات حاشدة ضد قرار وقف إطلاق النار فى غزة قد يدفع إسرائيل إلى اعتبار البديل السياسى ثمنا باهظا، لكنها فى المقابل إذا وضعت على إحدى كفتى الميزان أمنها القومى فى إطار تهدئة شاملة على المدى البعيد، وعلى الأخرى هدنة مؤقتة لن تصمد طويلا ليتكرر اندلاع العنف المسلح.. عندها لن يكون هناك مجال للمقارنة بين المسارين.
شعارات البطولة الزائفة والمراوغات التى يتاجر بها حزب الليكود مع بقية الأحزاب اليمينية التى تحظى بمساحة كبيرة فى المشهد السياسى لم تتوان عن استغلال ورقة الخلاف بين الأطراف الفلسطينية عبر الدعوة إلى تقوية طرف على حساب الآخر، أو إبقاء حماس بمثابة «شوكة» فى ظهر تصدر السلطة الفلسطينية كشريك قوى فى مفاوضات سلام تؤدى فى النهاية إلى فرض حل الدولتين. خطورة مثل هذه المغامرات هى التى تهدد أمن المواطن الإسرائيلى عبر المبالغة فى تشويه حل إقامة الدولتين وتصويره بمثابة التهديد الحقيقى لإسرائيل، بدلا من طرح رؤية واقعية عن تسوية سياسية قادرة على خلق منظومة أمنية شاملة.