عبارة صادمة، يبدو أنها تتضمّن تناقضًا فلسفيًا، لأنه فى الظاهر، هناك توتّر دائم بين المحبة والموت، إذ كيف تقارن المحبّة التى تؤكّد على الحياة، بالموت الذى ينهى الحياة؟ يدرك كاتب سفر نشيد الإنشاد تمامًا، أنه لا يمكن تقزيم المحبة إلى مجرّد تعريف بسيط. فالمحبة ليست أمرا بسيطا. إن تعبير، «لأن المحبّة قويّة كالموت» (نشيد الإنشاد ٨: ٦)، قاد المفسِّرون إلى التفتيش عن معنى أعمق، من المحبّة التقليدية، يصف الكاتب قوتها، «أنها نار، ومياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئها، والسيول لا تغمرها» (نشيد الإنشاد ٨: ٧)، «موت» فى الديانة الوثنية الكنعانية، هو اسم إله، تصارع مع إله آخر اسمه «بعل». نطق الشاعر بهذا التعبير، فى سياق الحضارة الوثنية التى كانت سائدة آنذاك. وقد أراد الشاعر أن يقول لنا إن الصراع بين المحبّة والموت، هو ليس فقط صراعا بين قوّتين، بل هو صراع بين إلهين. إن مقاربة قوّة المحبة بالمياه الكثيرة التى لا تستطيع أن تطفئها، تعطينا فكرة عن مدى الصمود الموجود فى قوّة المحبّة. فلا أحد يستطيع أن يقف فى وجهها، تمامًا كما أنه لا أحد يستطيع أن يقف فى وجه الموت. فعندما يزور الموت إنسانًا ما، لا يستطيع رفضه بأى حجة ما. ليس هناك شىء يستطيع أن يصف، مدى قوّة المحبّة كقوّة الموت. فالموت هو أقوى قوّة فى الوجود، خارج قوّة الله. يقدم الشاعر تعبيرا آخر ليوضح أكثر قصده عن قوة المحبة، فيقول، «الغيرة قاسية كالهاوية. لهيبها، لهيب لظى نار الرب» (نشيد الإنشاد ٨: ٦). فالغيرة جزء أساسي، من مكونات المحبة القوية. يشبّه الشاعر قساوة الغيرة، بقساوة الهاوية، التى هى تعبير آخر للموت. فغيرة المحبة قوية، كقوة النار، ولكن ليست النار الحارقة المدمرة، لكنها نار الرب، المقدسة والمنقية والمطهّرة من الصدأ والغش. يصف الله قوة محبته فى الوصية الثانية من الوصايا العشر، على أنه إله غيور. يقول، «لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة.. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأنى أنا الرب إلهك، إله غيور» (خروج ٢٠: ٤-٥). فالله غيور، لأن محبته هى المحبة الوحيدة الكاملة، التى لا تتجزأ. لهذا يرفض الله، رفضا قاطعا أن يشارك أولاده محبته، مع محبة أى إله وثنى آخر إن كان حجريا أو معنويا. قال المسيح لتلاميذه فى عظته على الجبل، «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض الواحد، ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» ( متى ٦: ٢٤). يقول الكاتب روبرت جانسن: «الغيرة هى من سمات أيّة محبّة حقيقية عميقة. فالغيرة تذكّرنا بأنها تسعى لمعرفة الآخر ومحبته وامتلاكه، فالغيرة ترفض أن تتخلّى عمَّا تمتلكه». المحبّة تطلق عاطفة غيرة قويّة جدًا، تلصق المحب بمن يحبه. هذا ما عكسه الكاتب الإنجليزى الشهير وليم شكسبير، فى مسرحيته روميو وجوليت، فإن قوّة محبّتهما، تساوت مع قوّة الموت، بل حتى جاوزته. لهذا، يدعو الشاعر إلى عدم مقايضة المحبة، لقاء أى شيء كان، ولو كان كل ثروات العالم.
عندما كان سليمان الملك فى الحكم، مثلت أمامه قضية دقيقة جدا (١ ملوك ٣: ١٦-٢٨). أتت إليه سيدتان، كانتا تعيشان تحت سقف واحد، حيث كان لكل منهما طفلها، إلا أنه لسبب ما، مات أحد الأطفال، فصارتا تتخاصمان، حول من هى الأم الحقيقية للطفل الحي. فى هذا المشهد، استطاع الملك سليمان، أن يرى صراعا بل اصطداما، بين قوة المحبّة مع قوة الموت. عندها قال الملك، «ائتونى بسيف. فأتوا بسيف بين يدى الملك. فقال الملك: اشطروا الولد الحى اثنين، وأعطوا نصفا لواحدة، ونصفا للأخرى». عندها بانت قوة محبة الأم الحقيقية، التى رفضت أن يموت ابنها، وفضلت أن يبقى حيا مع السيدة الأخرى، التى تبين أنها ليست أمه، يصف الكاتب، قوة محبة الأم الحقيقية، بقوله «إن أحشاءها اضطرمت على ابنها. فقالت للملك، استمع يا سيدي. أعطوها الولد الحي، ولا تميتوه» (١ ملوك ٣: ٢٦). أما موقف الأم المزيّفة، فقد انكشف بقولها، «لا يكون لي، ولا لك. اشطروه» (١ ملوك ٣: ٢٧). عندها حكم الملك سليمان قائلا، «أعطوها الولد الحي، ولا تميتوه، فإنها أمه» (١ ملوك ٣: ٢٧).
يعتقد مفسرون أن كتاب نشيد الإنشاد، هو قصيدة حبّ، كتبها سليمان الحكيم كيما يعبّر عن قوّة محبته لعروسه. فُسِّرَت مجازيًا فى العهد القديم، على أنها ترمز إلى قوّة محبّة الله لشعبه. وفى العهد الجديد، على أنها ترمز إلى قوّة محبّة المسيح لكنيسته. كثيرًا ما تتصارع قوّة المحبة، مع قوّة الموت، لكن للأسف، تغلب قوّة الموت فى هذه الحياة. إلا أنه لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للسيد المسيح. فعندما رفع المسيح على الصليب، فإنه لم ينطق سوى بكلمات المحبّة والغفران حتى لمن صلبوه. لقد بدا على الصليب، وكأن قوة الموت انتصرت على قوة محبته للبشر. الا أنه عندما قام وخرج من القبر، تبيّن عندها أن قوة محبّة الله كانت أقوى من قوة الموت.
يعتقد مفسرون أن كتاب نشيد الإنشاد، هو قصيدة حبّ، كتبها سليمان الحكيم كيما يعبّر عن قوّة محبته لعروسه. فُسِّرَت مجازيًا فى العهد القديم، على أنها ترمز إلى قوّة محبّة الله لشعبه. وفى العهد الجديد، على أنها ترمز إلى قوّة محبّة المسيح لكنيسته.