الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مبروك عليك الإخوان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

البحث فى شخصية منظرى الإرهاب وصانعى إطاره الفكرى مسألة مغرية، لأنه طالما ارتبط المنهج التكفيرى بشخصيات معقدة عانت من الفشل وهى تسعى لنجومية غير مستحقة، وافتقدت بوصلة النجاح والتقدير ممن يحيطون بهم أو من المجتمع فلم تصل إلى التحقق، أو أنها عديمة الموهبة وتحاول لفت الأنظار فى نهاية التحليل نحن أمام شخصيات تحتاج علاجًا نفسيًا ودينيًا، وليس فقط مناقشة وتفنيد أفكارهم المارقة والشاذة

ويعد سيد قطب أحد هذه النماذج بامتياز فهو أديب نصف مشهور، لم تحظَ أعماله بتقدير نقدى أو انتشار كافٍ يرضى طموحه كأديب يرى نفسه مرموقًا، فهو من هذه الزاوية فاشل بامتياز، وعلى الجانب العملى هو مجرد مسئول صغير فى وزارة التربية والتعليم فى مشواره الوظيفى بينما كان يتطلع لكرسى الوزارة، هذا الفشل المزدوج فى إثبات الذات جعله ناقمًا أكثر من إحساسه بالتحدى أو الرغبة فى تحقيق الذات، وتاه نصف الأديب مع الموظف المغمور وكانت النتيجة شخصية مقيتة، دينه الكراهية، وإحساس مفرط بالذات على غير الحق والحقيقة وبلا وجه حق أو مبرر منطقى، وبحث دائم عن الانتقام.

تحول قطب إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، وزاد إحساسه بضرورة الثأر عندما ضنت عليه ثورة يوليو ومجلس قيادتها بمنصب وزير التعليم، رغم أنه اعتبر نفسه مستشار الثورة الأوحد، ومفكرها المدنى الفذ وعندما سنحت له الفرصة، ضرب ضربته بنصيحة فاسدة، عندما سئل عن قرار حل الأحزاب (وكان مجلس قيادة الثورة قد انقسم على نفسه بين مؤيد لحل الجماعة مثلها مثل الأحزاب وبين من يرىضرورة حلها) وإذا كان يعتبر جماعة الإخوان من بين الأحزاب التى يجب حلها؟ فكان رأيه مؤيدًا للجماعة وضرورة استمرارها بينما تم تفكيك الأحزاب السياسية التى مارست دورًا فاسدًا فى الحياة السياسية فى ظل ملكية استخدمتها، واحتلال تلاعب بها لتفتيت الحركة الوطنية، ودفعت الأحزاب فاتورة قاسية، وعلى رأسها الوفد الأكثر شعبية وحضورًا وتأثيرًا

اختفت الأحزاب من الساحة والوفد الغريم التقليدى لجماعة الإخوان، خادمة البلاط الملكى والاحتلال بل القوى الصاعدة عالميًا عقب الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة الأمريكية)، ولم تكتفِ بخيانة الثورة والوطن بتواصلها مع الإنجليز بل ارتمت فى أحضان واشنطن وراحت تقدم نفسها متحدثًا باسم الشعب المصرى، وخانت القضية العربية مبكرًا بإعلانها قبول عصابة إسرائيل كدولة تتم زراعتها غصبًا عن إرادة أمة واغتصابًا لأراض وحقوق شعب ووطن

عاشت الجماعة بشرعية منحتها لها نصيحة خائن للأمانة، مدلسًا للرأى ومزيفًا للحق وصالت الجماعة، وجالت فى أوصال وأفكار وشرايين المجتمع تنثر بذور الشر، وتتوغل فى كل حارة وكل قرية نفوذًا ووجودًا وتمددت سرطانيًا تصعب إزالته إذا ما امتدت إليه يد الجراح ومشرطه، وبرر قطب لنفسه أن يخدع من وثقوا فيه لينتقم لكبريائه الجريح من جمال عبدالناصر (الذى استكثر على قطب منصب الوزير) فأسرها فى نفسه ولم يبدها حتى حانت له الفرصة وقد اعترف بنفسه على نفسه أنه نصح للمجلس (بما يضر وليس بما ينفع) خيانة متعمدة مع سبق الإصرار والترصد

ووقعت بين مجلس قيادة الثورة والجماعة صدامات كثيرة بعدها، ولجأت الى سيد قطب ليكون صوتها المدوى، وقلمها الذى يخط منهجها ويدعو له فاختاروه رئيسًا لتحرير مجلتهم، وبمجرد عرضهم عليه هذا المنصب سال لعاب الطامع والمتطلع فوافق على الفور، وعندما علم جمال عبدالناصر استدعاه لمكتبه وهو الذى يكن له احترامًا لم يستحقه، وتقديرًا لم يصنه، وسأله مباشرة: أنت بقيت إخوانى يا أستاذ سيد؟! فرد بكل غرور: نعم، فاستوضح عبدالناصر: ولكنى سألتك من قبل فقلت لا، فأجاب متفذلكًا: لم أكن، وأصبحت.. هنا أنهى عبدالناصر الحوار مهنئًا له ومكايدًا أيضًا: مبروك عليك الإخوان يا أستاذ سيد!

وبدأ ينتقم بمقالاته من الثورة ورجالها باعتباره وزير إعلام الإخوان وتفنن فى النقد فى باب صحفى ساخر بعنوان (قرفان أفندى) دون أن يوقع باسمه، وكان مفهومًا ومعروفًا للجميع أن من يكتبه هو سيد قطب، وخاض للإخوان معركتهم مع الضباط الأحرار، غير أن المجتمع بدأ يدفع هو الآخر ثمن عدم اعترافه بموهبته الأدبية، عندما بدأ قطب فى صياغة مشروعه التكفيرى خلف قضبان السجون، وهو الذى كان يتوقع من الشعب ثورة ومن الشارع انتفاضة بعد القبض عليه، فكان جزاء هذه الأمة التى لم تؤمن بسيد وأفكاره التكفير أو بتعبيره الفقهى المتطرف (التجهيل) ولخص مسألة الصراع السياسي، والفشل الشخصى فى جاهلية الأمة وقادتها، وهكذا تخلص من عبء هزيمة طموحه، فكيف لأمة كافرة أن تلجأ لأفكاره وتحتضن معتقداته وتحارب معه فى معركة الحق الذى يمثله ضد الباطل الذى تمثله الثورة

سيد قطب عاش فى أمريكا لفترة من حياته باحثًا، عاد منها ناقمًا على وطنه وأهله ومتعاليًا على ناسه، إنها أزمة الهوية فى مواجهة التغريب، وهنا بدأت صناعة العقدة التى تفاقمت وتطورت فى مراحل لاحقة، واستعصت على الحل فصنعت إرهابى الفكر والهوى سيد قطب.