يحلم الكثير ويسعى البعض لأن يصبح رجل أعمال يمتلك أموالًا ومشروعات.. لكن السؤال الملح هو: هل يمكن صناعة رجل أعمال؟ مثلما يتم صناعة أى شىء آخر؟.. ربما يكون السؤال غريبًا على القارئ، لكن المتأمل لصورة رجال الأعمال فى عالمنا الثالث سيجد أن الصورة النمطية له هى عبارة عن شخص لديه أموال كثيرة لا تعد ولا تحصي، وعنده «بودى جاردات» وبلطجية وحسناوات كثيرات و«فيلات» وقصور.. وهدفه الأسمى النهب من المال العام دون رادع.. وتظهره السينما والدراما بالباحث عن الرفاهية، وغالبًا ما يتاجر بالمخدرات وتوظيف الأموال.
لكن إذا نظرنا إلى العالم المتقدم كأمريكا وأوروبا، سنجد رجال الأعمال يساهمون فى الأنشطة الاجتماعية والخدمية فى بلادهم.. فعند ذكر مساهمة رجال الأعمال فى الحياة الاجتماعية سرعان ما تتبادر إلى الذهن صورة «بيل جيتس» رجل الأعمال الأمريكي، صاحب شركة «مايكروسوفت» ليس فقط اقتصاديًا واستثماريًا، بوصفه صاحب أكبر شركة فى السوق حيث تعد شركته رائدة وقاطرة ثورة الاتصالات والمعلومات عبر إنتاج الأجهزة وصناعة برمجيات الكمبيوتر والإنترنت لكن اجتماعيًا أيضًا، حيث قدمت «مايكروسوفت» للمتضررين من ضحايا كارثة «تسونامى» نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار وجهت لعمليات الإنقاذ فى إندونيسيا وسيريلانكا والهند وتايلاند، كما ذهب عدد كبير من موظفى الشركة لإقامة مواقع إلكترونية للبحث عن المفقودين واستخدام موارد الإغاثة ومساعدة المتطوعين.. وفى الداخل الأمريكى قدمت مؤسسة جيتس تبرعات مهمة لجامعة كامبريدج ومؤسساتها البحثية، كما خصصت نسبة لتمويل المنح الدراسية والبعثات للجامعة.
وفى يوليو ٢٠٠٨، إبان انعقاد منتدى دافوس الاقتصادى العالمى (١٤) فاجأ جيتس الحاضرين بإعلان قراره ترك إدارة شركته ليتفرغ لأعمال الخير والمساعدة فى حل مشاكل الفقراء فى مجالى التعليم والصحة مع التركيز بصفة خاصة على هدف التصدى للأمراض المنتشرة فى أفريقيا «الإيدز والملاريا».
وهناك تجارب أخرى متعدد لمساهمة رجال الأعمال فى الأنشطة الخيرية.. فتجربة كل من أندرو كارنجى (١٨٨٩) الذى تبرع بـ٩٠٪ من أمواله لبناء مكتبات وجامعات للفقراء لتحسين أوضاعهم.. وهنرى فورد (١٩١٤) الذى قرر مضاعفة أجور العمال فى مصانعه بغية تحويلهم من عمال لديه إلى زبائن.. وغيرهم الذين أنشئوا مؤسسات تقدم المنح الدراسية والتعليمية وترعى الباحثين، وشكلت هذه التجارب علامات بارزة لدور رجال الأعمال فى المجتمع الأمريكى وعلى المستوى الدولى.
وعرفت الأمم المتحدة والبنك الدولى المسئولية الاجتماعية بأنها: «التزام طوعى لمنشآت القطاع الخاص والعمل مع موظفيها والمجتمع ككل بتحسين معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة والمجتمع فى آن واحد».
وأظهرت خبرات دول كثيرة مثل ألمانيا واليابان أن أنجح الشركات هى التى لا تقتصر أهدافها فقط على جنى الأرباح بل أيضًا على قيامها بأنشطة اجتماعية.
وإذا طبقنا هذه المفاهيم على عالمنا العربى لاكتشفنا أنها غائبة لدرجة تكون تامة إلا فى حالات فردية تتصف بالعطاء العشوائى غير المنظم إضافة للخلط الكبير والواضح بين المسئولية الاجتماعية وبين الإحسان وفعل الخير، فهى هنا لا ترتبط بشكل مؤسسى على عكس المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال فى الدول المتقدمة التى تأخذ طابعًا مؤسسيًا منظمًا ومرتبطًا بالمجتمع المحلى وخطط تنميته.
ومصطلح المسئولية الاجتماعية لا يزال جديدًا حتى على العالم العربى وأن أمامه سنوات للوصول إلى ما يتطلع إليه المهتمون.
ويختلف ذلك عن رجل الأعمال «السياسى» أو«المسيس» فقد كشفت التجربة الواقعية عبر الممارسات الانتخابية والآليات البرلمانية والحزبية عن أن ذلك هو آخر ما نحتاج إليه فى ظل استمرار غيبة ركائز الديمقراطية الحقيقية، وعلى رأسها المجتمع المدنى الذى تتوافر له مقومات الإستقلالية وشروط النضج فدخول رجال الأعمال عالم السياسة لم يحسن الأوضاع بل زادها سوءا.
وللاجابة عن السؤال السابق.. هل يمكن صناعة رجل أعمال؟ نقول نعم.. يمكن.. من خلال تربية النشء منذ الصغر على الممارسات الاقتصادية البسيطة وكيفية أن يكون رجل الأعمال فاعلًا فى مجتمعه من خلال المشاركة فى الأنشطة الاجتماعية.. ويمكن أن يكون ذلك فى مناهج تربوية تدعم هذه المشاركة لمن يرغب فى أن يكون مستثمرًا صغيرًا كان أو كبيرًا فى المستقبل.
و«رجل الأعمال» هو لقب يطلق على كل شخص يعمل فى مجالات الأعمال المختلفة، ويملك قدرة على التعامل مع الأمور المهنية والمالية والتجارية، ورجل الأعمال الناجح هو الذى يبحث عن تطوير أعماله التجارية وتعزيز مهاراته وقدراته لإنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف، فلا تكفى الأحلام والطموحات وحدها لتحقيق الأهداف بل بالبحث عن الفرص المناسبة للنهوض بالمشروع والأفكار المبتكرة.
ولو نظرنا إلى الحالة المصرية، سنجد دور رجال الأعمال فى دعم الاقتصاد المصري، محدود وضعيف للغاية، رغم امتلاكهم ثروات هائلة، وكلهم حققوا هذه الثروات من خير مصر، ويكتفون بالشو الإعلامى فقط، وفى مصر يوجد ٨ رجال أعمال، ثرواتهم تصل لنحو ٢٣.٨ مليار دولار، بحسب تصنيف فوربس لعام ٢٠١٥، ورغم هذه الثروات الهائلة فإن حجم الأعمال الخيرية لهم ضعيفة ولا تذكر، وفى مصر أيضًا يوجد أكثر ٢٣ ألف مليونير، فيما كشف الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فى ٢٠١٦، عن أن ٢٧.٨٪ من السكان فى مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء.