مع اقتراب امتحانات الفصل الدراسى الأول، ترد إليَّ كثير من الأسئلة تتعلق بكيفية المذاكرة، وفى هذه المقالة أودُّ أن أسدى إلى الطلاب بعضًا من القواعد التى تساعدهم على التحصيل والمذاكرة بطريقة سليمة، ورغم أن الأمثلة الواردة فى هذه المقالة متعلقة بكلية الحقوق، وذلك بحكم التخصص، إلا أنها تصلح لجميع الطلاب بمختلف الكليات وبمختلف المراحل الدراسية.
وثمة طريقتان للمذاكرة، الأولى: وهى طريقة المذاكرة على التوالي؛ وذلك بأن ينتهى الطالب من مذاكرة المواد مادة تلو الأخرى، كأن يخصص مثلًا خمسة أيام لمذاكرة مادة المرافعات، ثم خمسة أيام لمادة التجاري، ثم خمسة أيام لمادة الإداري، وهكذا. أما الثانية: وهى طريقة المذاكرة بالتوازي؛ وذلك بأن يقوم الطالب بمذاكرة أكثر من مادة فى اليوم الواحد، كأن يخصص يوميًّا، ساعتين للجنائي، وساعتين للدولي، وساعتين للإداري، وهكذا.
وكل هذه الطرق وغيرها صحيح؛ لأن كل طالب يختار الطريقة والكيفية التى يفضلها وتتناسب مع ميوله، وإن كان هذا صحيحًا؛ فليس من شك فى أن هناك طريقة أفضل من الأخرى، وأنا من جانبى أُفضِّل الطريقة الثانية، وهى طريقة المذاكرة بالتوازي؛ لأنها تعتمد على قاعدة أسماها الكاتب كيفن بول فى كتابه: «ادرس بذكاء وليس بجهد» بقاعدة: «فَرِّقْ تَسُدْ».
ولا أبالغ إذا قلت: إن هذه القاعدة هى جوهر عملية المذاكرة، وكما يقال فى المثل: «الكَتْرَة تِغْلِب الشجاعة»؛ ولذلك لكى تتغلب على الكمية الكبيرة من الكتب التى لديك عليك أن تقسمها إلى أجزاء، كى تسهل السيطرة عليها، فلو لديك كتاب مكون من 400 صفحة، وكان لديك خمسة كتب بهذا الحجم، وكان يتبقى على الامتحان 40 يومًا فقط، فكل ما عليك هو أن تذاكر فقط يوميًّا من كل كتاب 10 صفحات؛ ليصبح عدد الصفحات التى تذاكرها يوميًّا 50 صفحة.
إنها كمية قليلة؛ بل إنك مع التدريب سوف تتمكن من مذاكرة 100 صفحة يوميًّا بكل سهولة؛ وبناء عليه تذاكر المنهج مرتين فى هذه المدة، بالطبع من الممكن أن يكون هناك تغيير فى الكمية من يوم لآخر، فإذا ذاكرت فى يوم 40 صفحة مثلًا، فعليك أن تذاكر فى اليوم التالى 60 وهكذا.
فلا تجلس وتقل سوف أذاكر 50 صفحة دفعة واحدة من هذا الكتاب، هذا ليس جيدًا، فسوف ينخفض مستوى التحصيل لديك، وربما لا تذاكر سوى 10 صفحات، وحينها سوف تصاب بالإحباط، أعلم أن من الطلاب مَن هو قادر على ذلك، والجميع مع التعود سوف يكون قادرًا على ذلك وأكثر، ولكن المشكلة تكمن فى كيف نتعود؟
وربما قال لى أحد الطلاب: أنا لا أستطيع أن أذاكر 50 صفحة فى اليوم، إننى لا أذاكر سوى 30 صفحة على الأكثر، أقول له: إن الفارق بينهما ليس كبيرًا، من يذاكر 30 يمكنه أن يذاكر 50 وأكثر.
وسوف أضرب لكم مثالًا: مبدئيًّا لا تقل: سوف أذاكر 50 صفحة من مادة التنفيذ الجبرى مثلًا، بل قل: سوف أذاكر 15 صفحة من التنفيذ، و15 من التجاري، و20 من المدني، إنك حينما تنظر إلى كل كمية على حدة، سوف تتشجع على إنجازها، إنك لو جلست لكى تذاكر 50 صفحة فقط من مادة واحدة، فإنك حينما تصل للصفحة 20 سوف يبدأ التكاسل، فلو تشجعت سوف تضيف على الأكثر 10 صفحات إلى 20 ليصبح المجموع 30 صفحة.
أما لو قسَّمت ـ كما قلنا ـ فإنك لو بدأت تتكاسل عند الصفحة 12، لن يكون من الصعب عليك أن تستجمع قوتك وتذاكر 3 صفحات أخرى، ليصبح المجموع 15، وهكذا فى كل مادة.
إن ميزة هذه الطريقة التى قمت بشرحها، أو قاعدة «فَرِّقْ تَسُدْ» تتمثل فى الآتي:
أولا: زيادة نسبة التحصيل والقدرة على الاستيعاب؛ فالتعلُّم عملية تراكمية، ولذلك من الأفضل أن تذاكر جزءًا بسيطًا من كل مادة يوميًّا.
ثانيًا: تُوفِّر كثيرًا من المجهود؛ فالمادة مخصص لها فصل دراسى كامل لتحصيلها، فإذا حاولت أنت أن تحصِّلها فى أربعة أيام متتالية مثلًا، فهذا سوف يحتاج منك إلى مجهود مضاعف، هذا بخلاف لو ذاكرت 10 صفحات من كل مادة يوميًّا، فسوف يكون من السهل جدًّا تحصيلها، والسيطرة عليها.
ثالثًا: هذه الطريقة تُسهِّل استدعاء المعلومة؛ لأن المعلومات تدخل إلى العقل دون ضغط.
رابعًا: كسر حاجز الخوف؛ لأن الطالب دائمًا عنده رهبة من المواد التى لم يذاكرها بعد، فإذا قام بمذاكرة أكثر من مادة فى اليوم الواحد، فإن هذا سوف يكسر حاجز الخوف بداخله، فكل المواد أصبحت قريبة منه وفى متناول يده، هذا بخلاف لو خصص عدة أيام لكل مادة على حدة، فهو خلال هذه الأيام يكون باله مشغولًا بالمواد التى لم يذاكرها، وبعد أن ينتهى من مذاكرة مادة أو أكثر فسوف يصبح مشغولًا ليس فقط بالمواد التى لم يذاكرها وإنما أيضًا بالمواد التى ذاكرها، وذلك بسبب هاجس النسيان الذى يسيطر عليه.
خامسًا: الطريقة الثانية تجعلك تستفيد من مزايا الطريقتين؛ لأنك فى فترة الامتحانات أنت مجبر على تطبيق الطريقة الأولى، ولذلك عليك أن تطبق الطريقة الثانية - اختيارًا - فى فترة ما قبل الامتحانات، فتكون قد جمعت بين هذا وذاك.
عزيزى الطالب: إن التفوق 20% منه مهارة و80% تخطيط؛ ومن ثم عليك أن تقسِّم المهام التى يجب أن تقوم بها، أو فَرِّقْ كى تسود، مثلما تفعل حبات المطر فى الصخرة، إنها تثقبها ليس بالقوة، وإنما بالسقوط المتواصل.