الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

واحة الخميس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بناء الإنسان المصري-3 
استكمالًا لما ذكرناه فى المقالين السابقين عن دور أجهزة الدولة المختلفة فى إعادة بناء الإنسان المصرى، الذى افتقد خلال السنوات الأخيرة الكثير من خصائصه ومميزاته لعوامل وأسباب عدة، هذه الخصائص التى يمكن للمرء رصدها من خلال نظرة عابرة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد وصل بنا الحال إلى لغة حوار متدنية، وإلى تراشق بالألفاظ فيما بيننا، بالإضافة إلى كثير من الغرور والسطحية والجهل، وأخطر ما فى الأمر أن شبابنا يدخلون إلى هذا العالم الافتراضى وهم غير مؤهلين ثقافيا، فيتحول معظمهم إلى فريسة سهلة لمواقع التطرف الدينى أو لمواقع الإلحاد والإباحية، وكل هذا يتم فى غياب دور الأسرة التى ما عاد أفرادها يجتمعون أمام مسلسل الساعة السابعة، أو يجلسون للطعام على سفرة واحدة، فكل شخص يعيش لحاله فى جزيرة منعزلة عن الآخرين؛ فإذا جمعتهم مناسبة ما، تجد كل واحد فيهم يؤثر الصمت وهو ينظر لهاتفه المحمول ليتواصل مع أشخاص ومواقع تخلط فى معظم الأحيان السم بالعسل، وتقدمه سائغا للشاربين، وإعادة بناء الإنسان المصرى هى مسئولية مجتمعية، ولكن العبء الأكبر فيها يعود على أجهزة الدولة؛ فهى المنوط بها الحفاظ على وحدة هذا الشعب وتراثه وأخلاقه وقيمه، بل ودينه أيضا، وبالمناسبة؛ فإن عبارة «نحن شعب متدين بطبعه» تحتاج لإعادة تفكير، فهذا الشعب المتدين كما تقولون هو أكثر الشعوب على ظهر هذا الكوكب بحثا عن المواقع الإباحية عبر شبكة الإنترنت، وهو من أكثر الشعوب استهلاكا للمخدرات بكافة أنواعها، وكذلك الخمور والسجائر، وربما لا يعرف البعض أن المصريين ينفقون فى سبيل استيراد المواد المخدرة والخمور والسجائر أضعاف ما ينفقونه فى استيراد للطعام، ومنذ حوالى عامين أعلن صندوق مكافحة الإدمان التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، أن نسبة المدمنين فى مصر قد بلغت عشرة بالمائة، أى أن ما يقرب من عشرة ملايين شخص يعانون إدمان المخدرات بأنواعها، وهذه نسبة كبيرة وخطيرة، خاصة إذا أدركنا أن غالبية هؤلاء من الشباب، الذين يتباهى بعضهم بهذا التعاطى، فيقومون بتصوير أنفسهم وبث هذه الفيديوهات عبر الإنترنت، ورغم التحذير الإعلامى من تعاطى مخدر «الإستروكس»، فإنك تجد عليه إقبالا منقطع النظير، حتى إنه انتشر بين الشباب كانتشار النار فى الهشيم، ذلك أنه يصنع محليا من خلال خلط أعشاب البردقوش بالمبيدات الحشرية، وبعض المواد الكيميائية، ويتم تعاطيه ملفوفا فى السجائر كالحشيش، وهو يؤثر فى مراكز المخ، ويفقد الإنسان وعيه ويصيبه بالتشنجات التى تجعله هائما كالمجنون -أو على حد قول الشباب يتحول إلى «زمبي»-، ولم يكن هذا المخدر على قائمة الجدول الذى حدده القانون المصرى حتى وقت قريب، وبالتالى؛ فإن الشاب المتعاطى كان يتم القبض عليه ثم يخلى سبيله، وكل هذه الظواهر وغيرها تؤكد أننا بحاجة ضرورية إلى التكاتف من أجل إعادة المنظومة الأخلاقية للمصري، وكنا قد توقفنا فى المقال السابق عند دور الهيئة الوطنية للإعلام، والتى غرقت فى بحر المشكلات الإدارية لماسبيرو، ولم تنتبه إلى ضرورة العودة إلى الإنتاج الدرامي، فخطورة الدراما تكمن فى قدرتها على التسلل بداخل اللاشعور، فتتحول تلقائيا عند الإنسان إلى مجموعة من السلوكيات، وهى المعلم الأول لكل أفراد الأسرة، ولست بصدد الحديث عن أهمية الدراما التى باستطاعتها تغيير البشر إما للأفضل وإما للأسوأ، ومنذ تم إنشاء التليفزيون المصرى فى عام 1960، والدراما التليفزيونية هى إحدى الوجبات الدسمة التى كان يقدمها التليفزيون إلى مشاهديه، وما زالت محفورة بداخلنا تلك المسلسلات التاريخية والوطنية والاجتماعية التى شكلت وجداننا وأثرت فينا، وفى أجيال متعاقبة، ومن منا لا يتذكر: رأفت الهجان، وليالى الحلمية، والمال والبنون، ودموع فى عيون وقحة، ومحمد رسول الله، والوعد الحق، والشهد والدموع، ورحلة أبوالعلا البشرى... وغيرها من الأعمال التى علقت بذاكرتنا وظلت خالدة رغم مرور سنوات على إنتاجها، وكان قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون مهيمنا على الإنتاج الدرامى فى مصر مع شركة «صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات» ومدينة الإنتاج الإعلامى، حتى جاءت 2011 بكل ما حدث فيها، لتنهار تلك المنظومة ويتم تحويل الميزانية المخصصة للإنتاج إلى الرواتب والمكافآت لرفعها، وذلك بهدف فض الاعتصامات والإضرابات التى عمت ماسبيرو، مصحوبة بأصوات عالية أحدثت ضجيجا وهجمت على قيادات ماسبيرو فى مكاتبها، وكادت تفتك بهم لولا تدخل الجيش فى اللحظات المناسبة، ومنذ 2011 وحتى يومنا هذا لم تستطع جهات الإنتاج الحكومية تقديم أى عمل درامى؛ فخلت الساحة للإنتاج الخاص، وبالطبع فإن الربح هو الهدف الأساسى للمنتج الخاص، وهذا ليس عيبا، بل هو حقه كمستثمر وضع ماله فى مشروع اقتصادي، أما وزارة الإعلام سابقا، فلم يكن الربح هدفها، فهى تقدم وجبة ثقافية لعقول وأفئدة المصريين تماما كما تقدم وزارة التموين طعاما لبطونهم، ومن هذا المنطلق كنا نرى خطة إعلامية مدروسة، فكانت لا تخلو من المسلسل الدينى والتاريخى والاجتماعى الهادف، والشىء نفسه بالنسبة للخطة البرامجية والتى كانت تقوم على التوازن ومناقشة القضايا المجتمعية المهمة، وكان مجلس الأمناء يضع هذه الخطط فى ضوء التقارير التى يتلقاها من الأجهزة المعنية فى البلاد، ومجلس الأمناء كان يضم خيرة عقول مصر من مفكرين وشيوخ وقيادات، أما الآن فلا وجود لكل هذه الأمور فحدث الخلل الذى نراه ونستشعره فى سوق الدراما... وللحديث بقية.