فى صفقة باعت مصر بموجبها كامل حصتها فى شركة قناة السويس لبريطانيا، فى عهد الخديو إسماعيل باشا، بحيث ينتهى امتياز الشركة فى عام ١٩٦٩.
وفى مقال الكاتب، جيمس باركر، المعنون باسم «بيع سيادة مصر بثمن بخس»، المنشور فى مجلة «هيستورى توداي»، قال «منذ مائة وثلاثة وثلاثين عامًا كانت دولة أخرى تقع على البحر المتوسط تواجه الإفلاس (المقصود مصر)، فقد حالت الإجراءات التى أجبرها الدائنون الدوليون على تبنيها دون التعرض لانهيار مالى كامل، لكن كانت النتيجة أن فَقَدَ حكَّامها السلطة على شئونهم الخاصة عقودًا تالية».
وعلى الرغم من المعوقات وتخطى الميزانية المخصصة لمشروع حفر قناة السويس بشكل هائل، أُعلن افتتاح القناة للملاحة فى نوفمبر من عام ١٨٦٩، ويقال إن خليفة سعيد باشا، إسماعيل، قد أنفق ما يزيد على مليون جنيه استرلينى على احتفالات افتتاح القناة التى كانت مثالًا على البذخ، وقد أعلن إسماعيل باشا حينئذ: «إن بلدى لم تعد تنتمى لآسيا، فنحن الآن نتبع أوروبا».
وبحلول عام ١٨٧٠، بدأت ديون مصر تتراكم، وتفاقم الوضع المالى المتردى بانخفاض شديد فى سعر القطن، نتيجة لاستعادة إنتاج القطن فى الولايات المتحدة عافيته بعد الحرب الأهلية.
وحينها، بدأت فكرة بيع أسهم من قناة السويس تُساور الخديو إسماعيل، فى أوائل نوفمبر سنة ١٨٧٥، وكان متواجدًا فى باريس آنذاك، فعلم أحد الماليين المُخضرمين هُناك، يدعى إدوارد درفيو، الحالة المالية فى مصر، فأرسل الخبير المالى الفرنسى إلى أخ لهُ فى الإسكندرية، يدعى مسيو أندريه، وطلب منه أن يعرض على الخديو بيع أسهم مصر فى القناة، وأخبره أيضًا بأنه مستعد إذا قبل الخديو البيع أن يجد المشترى لها فى باريس.
وبالفعل، ذهب أندريه بعدها إلى القاهرة، وهناك تلقى تلغرافًا من أخيه بتاريخ ١١ نوفمبر سنة ١٨٧٥، يبعث على الأمل فى نجاح الصفقة، فقابل على إثره إسماعيل باشا صديق، وزير المالية فى ذلك العهد، وعرض عليه الفكرة، فلقيت منه قبولًا، إذ كان المفتش يبتغى تدبير المال اللازم بأى وسيلة، ولو بتضحية تلك الذخيرة العظيمة، لأداء المبالغ المستحقة فى ديسمبر، وبادر إلى تقديم الرسول الفرنسى إلى الخديو، فقص عليه نبأ مهمته، فارتاح الخديو إلى الفكرة.
وبالفعل طرح الخديو إسماعيل فى عام ١٨٧٥، الأسهم التى تمتلكها مصر فى قناة السويس، ٤٤ بالمائة من إجمالى الأسهم، للبيع لتجنب خطر الإفلاس، وقد اشتراها على الفور رئيس الوزراء البريطاني، بنيامين دزرائيلي، الذى حصل على قرض قدره ٤ ملايين جنيه استرلينى من بنك عائلة روتشيلد لشراء هذه الأسهم دون إخبار البرلمان أولًا.
وفى يوم ٢٥ نوفمبر، تحرر عقد البيع مع الحكومة الإنجليزية، ووقع عليه كل من إسماعيل باشا صديق، وزير المالية المصري، نائبًا عن الحكومة المصرية، والجنرال ستانتون، قنصل بريطانيا، نائبًا عن الحكومة الإنجليزية، وفقًا لما ورد من معلومات تاريخية فى جريدة «الأهرام». وكانت هذه الصفقة، التى تعد أشهر عملية بيع أسهم، كارثة على البلاد، حيث إنها مهّدت للاحتلال الإنجليزي، عام ١٨٨٢، لذا قام الاقتصادى المصري، محمد طلعت حرب، بتأليف كتاب عن قناة السويس ليوضح الحقائق للعامة والخاصة عن تاريخ القناة وكيف ضاعت حصص مصر من الأسهم والأرباح وخسائرها حتى ١٩٠٩م، وأوضح أن السهم الذى باعته مصر بـ ٥٦٠ فرنكًا للسهم الواحد أصبح سعره بعد ثلاثين سنة فقط ٥٠١٠ فرنكات للسهم، وحصتها من أرباح القناة التى باعتها بـ ٢٢ مليون فرنك أصبحت قيمتها ٣٠٠ مليون فرنك.