رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مناهضة النبي للعنف ضد المرأة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عام 1993 أصدرت جمعية الأمم المتحدة إعلانا للقضاء على العنف ضد المرأة، وقامت فيه بتعريف العنف بأنه "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عنه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة"، وتم إعلان يوم الخامس والعشرين من شهر نوفمبر يوما لمناهضة العنف ضد المرأة من كل عام منذ ذلك الحين.
في شبه الجزيرة العربية، تقريبًا قبل عام 610 ميلاديا أي قبل بعثة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم –، لم يكن للمرأة قانون يؤمن لها حقوقها، أو يضمن كرامتها، فهي تعيش وفق أصلها ونسبها ومالها وطبقتها الاجتماعية، يتم التمييز بين النساء بتقسيمهن إلى حرة وجارية، تعيش بنت الأشراف حياة كريمة لكنها لا تملك حق الاختيار أو الإرث أو الامتلاك أو القبول والرفض، وتعيش بنت البسطاء حياة الشقاء والخدمة والعمل عند الغير والبيع والشراء، هذا إن قُدر لهن عدم الوأد صغارا حتى لا يجلبن العار لرجالهن.
في القرون الوسطى في أوروبا، اختلفت صورة المرأة بين كل مجتمع وآخر، إلا أن من أشهر صور المرأة في المجتمعات الدنيا والمتوسطة ظهورها بقناع أو حزام العفة بقفل مفتاحه مع زوجها إذا غاب عنها، أما التعليم فلم يكن من نصيب المرأة فهي مخلوقة للخدمة والأعمال والجنس، إن لم تكن المرأة من الطبقة الحاكمة فهي مستباحة لا ضابط لمعاملتها ولا ضامن لاحترامها، تعمل في الحرف والفلاحة والمنازل أو راهبة بالكنائس، تعيش في ظلمات الجهل والطاعة الغاشمة، كما ذكر إي إتش غومبريتش في كتاب تاريخ العالم كان يقال عنهن "يجب أن يخجلن من أنهن نساء، وأن يعشن في ندم متصل، جزاء ما جلبن على الأرض من لعنات".
نزل الوحي على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – والذي قال عنه الله الخالق جل في علاه: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور}، لم يقل لتخرج العرب أو قومك أو المؤمنين بك أو أتباعك أو الروم أو الإغريق أو الفرس، وإنما قال لتخرج كل الناس، فقد نزل فيه قوله تعالى {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}، فهو المبعوث رحمة للعالمين.
جاء النبي العربي بميثاق عالمي مُرسل من رب العالمين إلى جميع البشر، كتاب لا ريب فيه هدى للعالمين، يحمل قوانين العدل والمساواة بين جميع البشر، لا فضل فيه لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، وقوانين التحرر من العبودية والرق وتحريم النخاسة وبيع وشراء الإنسان، يهدم التصنيف المادي والطبقي لمجتمعات البشر، أعطى الحقوق للرجل والمرأة على السواء، واختص النساء بما يناسب طبيعتهن وخلقتهن بما يضمن لها حقوقها، وجاء ذكر النساء في القرآن كله عامة، وفي سورة باسم النساء خاصة.
وحتى في الأمر بضرب الزوجة جاء كوسيلة أخيرة لتقويم المرأة بعد استنفاد كل السبل للتقويم، وجميع محاولات النصح والمناقشة والعقاب المعنوي والرجوع إلى وليها حتى تستقيم الحياة الزوجية ويستمر ميزان التفاهم والتواصل بين الرجل وزوجته، فكان هذا التشريع حماية للمرأة وليس إهانة لها كما يفهمه البعض، فلو كان الأمر مباحا وعاديا لكان طبقه رسول الله الذي نزل عليه القرآن والمكلف بالدعوة والذي قالت عنه زوجته السيدة عائشة: "ما ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا".
يقف رسول الله بعد انتصار المسلمين على يهود خيبر أمام إحدى سبايا اليهود، وهي صفية بنت حيي، يغطيها بثوبه حتى لا ترى القتلى، فقيل إن الرسول اصطفاها لنفسه، فخيرها بين أن تبقى على اليهودية ويعتقها، أو تدخل في الإسلام ويمسكها لنفسه، فاختارت الإسلام وتزوجها النبي، وبعد أن شرفها الله بأن صارت زوجة للرسول، علمت صفية أن حفصة قالت عنها "بنت اليهودي" فبكت، فدخل عليها النبي ورآها تبكي فسألها ما يبكيكِ؟، فأخبرته بالسبب فقال لها: "إنك لابنة نبي (من نسل هارون بن عمران)، وإن عمك لنبي (يقصد موسى بن عمران)، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك"، وقال لحفصة: "اتق الله يا حفصة"، ويروي أنس بن مالك أنه رأى رسول الله يجلس عند بعيره يضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب البعير.
هذا نموذج واحد جمع أكثر من مشهد لنبي الرحمة في معاملة النساء، والذي كان ينهى صحابته عند الغزوات عن قتل النساء والأطفال والشيوخ، أنزل المرأة أعلى المنازل وكان يأخذ بمشورة زوجاته ويساعدهن في أعمال البيت، وحذر الرجال من سوء معاملة النساء وأوصاهم بهن خيرا، كان لزاما علينا أن نذكر العالم كله بأن النبي قد ناهض العنف ضد المرأة قبل أكثر من 1400 عام، فإذا التزم العالم بوصاياه ورسالته كان ذلك خير ضامن وحماية وعصمة لنساء العالم من أي عنف أو تهميش أو إهانة أو مضايقة أو سوء استغلال، رسول الله للعالمين صلى الله عليه وسلم.