لماذا ركز وطلب مرارًا وتكرارًا وما زال الرئيس السيسى على تغيير وتجديد الخطاب الدينى والفكر الديني؟ لأنه يعلم ونعلم جميعًا أن الفكر الدينى غير الدين، فالفكر الدينى هو فكر البشر فى تفسير وتأويل النص الديني. ولذلك اختلف وما زال وسيظل الخلاف بين هذا الفكر الدينى وبين الأفكار الأخرى، وذلك لتصور ونسبية هذا الفكر نسبة إلى البشر المحدود وغير المطلق، ولأن هذا الفكر الدينى فى كثير من الأزمنة والأمكنة هو ابن هؤلاء المفكرين والمفسرين والمجتهدين والمؤولين. فنرى أن هذه الأفكار لا تخلو من مصلحة ذاتية للأفراد وللجماعات وللتنظيمات التى تتبنى هذا الفكر مستغلين العاطفة الدينية مدعين أن هذا الفكر وتلك السلوكيات هدفها الأول والأخير هو الحفاظ على الدين ورفعته. والأهم أنهم يروجون هذا الفكر على أنه هو صحيح الدين، الذى يجب اتباعه والإيمان به ومن لا يتبع ذلك فهو خارج وكافر. ليس هذا فقط على المستوى الفكرى ولكن لابد من تصفية هذا المخالف والمختلف جسديًا نصرة للدين. ولذلك وجدنا نتائج ذلك هو حالة للتدين الشكلى الذى يهتم بالمظهر ويترك المخبر، يتمسك بالشكل ويسقط الموضوع، ولذلك تجذر ذلك المناخ الطائفى بين أبناء الدين الواحد المختلفين فى فكرهم الدينى وبين أبناء الأديان الأخرى باعتبار كل منهم هو وحده من يمتلك الحقيقة المطلقة، وهو وحده من ضمن الجنة وامتلك السماء، والآخر هو الذى سيكون وقودًا لنار جهنم والخارج من السماء، وهذا الوضع هو التجسيد الفكرى لرفض الآخر، والذى استغل من المتطرفين وتطور إلى سلوكيات وممارسات وعمليات إرهابية للتخلص من أى مختلف، أيًا كان دينه جسديًا وبأساليب لا علاقة لها بدين أو إنسانية. وظلت هذه الأفكار وتلك الممارسات تمارس ضد المصريين المسيحيين، حيث إنهم لظروف تاريخية واجتماعية ممزوجة بتراث طائفى عفن فى تفجير الكنائس والمتاجر والمنازل والاعتداء عليهم، حتى وصلنا إلى يوم ١٤/٨/٢٠١٣ والذى أعلن فيه الإرهاب الإخوانى عن وجهه السافر لإسقاط الوطن لم يقتصر الأمر إلى هذا الحد من رفض الآخر الدينى (المسيحي)، ولكن قد أخذ السفور أقصى حدوده عندما قاموا بقتل شهداء المصلين بمسجد الروضة.
هنا كانت هذه نقلة نوعية، فكانت عملية سيناء ٢٠١٨، وذلك فى إطار المواجهة الأمنية اللازمة التى يتوازى معها تمسك السيسى بالمواجهة الفكرية لهذا الإرهاب، وأهمها تصحيح الفكر الديني، تدرج الرئيس بطريقة منطقية لإيجاد واقع عملى لهذا التجديد، حيث إن هذا ليس بالأمر السهل ولا الهين على بشر تأثروا بهذا الفكر عبر مئات السنين حتى أصبح جزءا من المقدس الدينى الذى هو ليس بالمقدس، وكانت عملية المنيا قبل يوم من افتتاح منتدى الشباب الثانى بشرم الشيخ بهدف ضرب كرسى فى هذا العرس العالمي، هنا كانت هناك خطوة متقدمة من الرئيس فى إطار المواجهة الفكرية فى إطار التجديد والتصحيح الحقيقى وليس الشكلى للفكر الديني، فقبول الآخر وحقوق المواطنة وحرية العقيدة حق دستورى وقانونى تمثل فى المادة ٦٤ من الدستور وتأكد من خلال النصوص الدينية لكل الأديان بلا استثناء. ولذا رأينا الرئيس فى كلام جرىء يحدد دستورًا جديدًا وحقيقيًا يريد تطبيقه على أرض الواقع تفعيلًا لحقوق المواطنة لكل المصريين أيًا كانت دياناتهم أو عقائدهم، فبصراحة وبلا مواربة كعادته أكد على حرية العقيدة للمصريين، ومن يؤمن أولًا يؤمن فهو حر فى ذلك، فحسابه عند الله وليس عند بشر أيًا كان موقع هذا البشر. قال الدولة تبنى كنائس للمسيحيين ومعابد لليهود، فهذا حق لهم كمصريين تحقيقًا لحرية هذه العقيدة. وأكد على أن هذا الكلام ليس للاستهلاك، ولكن لابد أن يوضع ويطبق عمليًا. هذا لا شك موقف تاريخى بلا مجاملة فبالرغم من كونى معارضا، فهذا لا يعنى الإشادة بما هو إيجابى، خاصة أن هذه القضية تشغلنى منذ ثلاثة عقود، هنا بداية الخطوة الأولى فى طريق المواطنة وإسقاط الطائفية وقبول الآخر، الطريق طويل وشاق، ولكنها هى كسر شوكة البداية التى تتطلب الكثير والكثير من الجهد والمثابرة والعمل. نعم نحتاج وقتا لتصحيح الأفكار وتنقية التراث وتغيير السلوكيات وتدشين ثقافة الآخر وتغيير الخطاب الدينى والتعليمى والإعلامى والثقافى. ولكن هناك مجالات تحتاج إلى قوانين سريعة وقرارات جريئة تمثلًا بالرئيس. القوانين تحتاج تسريعًا وتفعيلًا للدستور بإنشاء مفوضية عدم التمييز التى أقرها الدستور فى المادة ٥٤. وهذه المفوضية لا تقتصر على عدم التمييز بين المواطن المسلم والمسيحى فقط، ولكن لمواجهة كل أنواع وأشكال التمييز التى يموج بها المجتمع فى كل المجالات، وهى كثيرة، أقلها تلك المظاهر الدينية والطائفية التى نشاهدها طوال الوقت فى الآيات الدينية الإسلامية والمسيحية على وسائل المواصلات وفى الشوارع خاصة فى المدارس التى أصبحت جدرانها مملوءة بتلك الآيات والعبارات التى تحدث تمييزًا وتمايزًا يشعر الآخر الدينى بالاغتراب وما أدراك ما الاغتراب ونتائحه على الوطن وتعطى الآخر صاحب الأغلبية الإحساس بالتفرد والوحدانية دون الآخر، نحتاج إلى إلغاء خانة الديانة من كل الأوراق الثبوتية. نحتاج إلى خطاب وطنى يتوافق مع مقاصد الأديان وسماحتها فلا ينعت الآخر بالكافر والذمى والحديث عن تاريخ ولى وراح، تشكل حب معطيات الواقع وحتمية الزمن وسيطرة العادات والتقاليد الاجتماعية قبل الأديان. اقتصار الممارسات الدينية وطرقها وأساليبها على المجال الخاص المسجد والكنيسة بعيدًا عن المجال العام خارج المسجد والكنيسة، فهو ملك للمواطنين من كل الأديان. التوجه إلى تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى تعتمد على القانون وحده وتتحلى بتطبيق حقوق المواطنة بلا تمييز، إسقاط التعبيرات والمسميات الطائفية للمصريين المسيحيين. فلا وجود للإخوة الأقباط أو شركاء الوطن، وما يماثل هذا، حيث إن هذه الممارسات الموروثة منذ نظام الطائفية العثمانية قد انتهت الآن بحقوق المواطنة. الكنيسة لا تتدخل فى غير الجانب الدينى داخلها وهى لا تمثل المسيحيين سياسيًا. الدولة هى كل المواطنين بكل دياناتهم وهى المسئولة عنهم وليس أحدا آخر. فلا مبرر بل إسقاط للمواطنة أن يختصر المسيحيون فى الكنيسة وكأنها هى دولتهم والمسئولة عنهم ويقدم إليها العزاء من كل مسئولى الدولة، بل يناقش معها احتياج الشهداء والمصابين. هذا وغيره كثير لتحقيق المواطنة والتوافق والتوحد المصرى وقبول الآخر حتى يقوم كل مواطن بدوره فى تصميم فكره الدينى وقبول الآخر حتى تكون مصر: بحق لكل المصريين.