تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بناء الإنسان المصري-2
فى المقال السابق، تحدثنا عن الدور الذى يجب أن تقوم به وزارة الثقافة فى عملية إعادة بناء الإنسان المصري، وذكرنا أهمية الكتاب وضرورة الاهتمام بالتوسع فى نشر السلاسل التى كانت الوزارة تصدرها عن طريق الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتى نرى بكل صراحة أنها تراجعت خلال السنوات الأخيرة عن القيام بدورها التنويرى وواجبها الوطنى، بعدما كانت سلاحًا قويًا فى مواجهة الإرهاب والتطرف، حينما كان الراحل سمير سرحان يجلس على كرسى رئاستها؛ فقد أصدرت الهيئة فى عهده آلاف الترجمات وعشرات الآلاف من الكتب المؤلفة فى سائر الموضوعات، إلى جانب الدوريات التى توقفت الآن، التى أسهمت فى تشكيل وعى عدة أجيال، ولست أتمالك دموعى حين أتذكر مجلة «المسرح»، التى شرفت بالكتابة فيها لسنوات طويلة، والتى أسهمت فى خلق حركة نقدية مواكبة للنشاط الفنى المسرحى فى مصر، وقدمت مئات النصوص المسرحية المترجمة، وكان عشاق المسرح فى الوطن العربى ينتظرون صدورها كل شهر، ويرسلون من يجمع لهم الأعداد ويبعثها إليهم، وكذلك مجلات: فصول والشعر والرواية والقاهرة. وسأظل أنادى بضرورة عودة هذه المنصات الثقافية التى كنا نفاخر بها العالم العربي، والتى أنتجت مناخًا ثقافيًا استطاع مجابهة الإرهاب، ولا يجب أن يغيب عنا حقيقة أننا أغنياء بثقافتنا، فلماذا نكبل قوتنا الناعمة ونترك الساحة لمن يوزعون كتب الوهابية والسلفية مجانا، وإذا كان السبب فى إلغاء هذه الدوريات وتراجع الهيئة المصرية العامة للكتاب عن دورها يعود إلى الخسارة المادية، فأظن أن السيدة الوزيرة تعلم تمام العلم أن الثقافة لا تباع، وإنما هى خدمة من الدولة لمواطنيها، لا سيما فى هذه المرحلة العصيبة التى تعاركت فيها الأفكار واختلطت فيها المفاهيم، وأما إذا كان السبب يكمن فى الحجة التى أسمعها من البعض، وهى عزوف الناس عن القراءة فى زمن الإنترنت، فالرد هو عودوا إلى دور النشر التى أصدرت روايات محمد صادق وأحمد مراد وعصام يوسف ونور عبدالمجيد ويوسف زيدان.. لتعلموا أن جيلا من الشباب يهوى القراءة، ولكنكم لا تعرفون الوصول إليه لمشكلة لديكم، وتبحثون على الحجج التى تؤكد أفكاركم، والتى هى غير صحيحة بالمرة، وإلا لماذا لم تغلق دور النشر الأخرى أبوابها؟ ولماذا يتهافت الناس على معرض الكتاب كل عام؟ هذا المعرض الذى كان عرسا ثقافيا وفنيا، وما زالت الذاكرة تتزاحم فيها صور وأقوال الأستاذ هيكل والأبنودى ونزار قبانى وسميح القاسم ومحمود درويش.. الذين كانوا يأتون كل عام إلى المعرض، ونتقاتل من أجل مشاهدتهم والاستماع إليهم، فكيف يستطيع رئيس الهيئة الحالى إعادة تلك الفعاليات مرة أخرى، وقد بلغنى أنه قد استبعد أهل الخبرة وأتى بأناس جدد لا خبرة لديهم فى هذا المجال؟.. والحقيقة أن دور وزارة الثقافة فى إعادة بناء الإنسان المصرى لا يقتصر على نشر الكتب فحسب، بل يجب عليها إنارة مسارح الدولة، لتقدم لنا كل فرقة العروض المسرحية المنوط بها تقديمها، فلا يتشابه إنتاج مسرح «الطليعة» مع ما يقدمه مسرح «الغد» أو مسرح «الشباب»، كما يجب تسويق هذه العروض وإعادة بثها عن طريق المواقع الإلكترونية، التى ستدر عائدا ماليا إضافيا للوزارة حال تزايد عدد المشاهدات، ومن الضرورى أن تكلف الوزيرة أساتذة الترجمة المسرحية للقيام بنقل النصوص الحديثة إلى العربية ووضعها أمام المخرجين لتقديمها كما حدث فى السيتينات، أما الثقافة الجماهيرية؛ فدورها هو الأخطر والأهم، وهى تحتاج أولا إلى إعادة تقييم لجميع موظفيها فى بيوت وقصور الثقافة وفرزهم، فالأقاليم يا سادة مليئة بمن يظن أن الفن حرام، وفى سبيل ذلك يعرقلون أى أنشطة فنية، ومن الضرورى أيضا إحياء فرقة المسرح المتجول، التى كان قد أسسها الراحل عبدالغفار عودة، وقدمت عشرات العروض المسرحية فى مختلف محافظات مصر، ولكن تم إلغاؤها دون سبب يذكر، وهكذا فالثقافة دورها أهم بكثير من التعليم، ذلك أن بعض الإرهابيين أطباء ومهندسين ومحامين، أى أنهم نالوا قسطا عظيما من التعليم لكنهم غير مثقفين، وعلى الدولة أن تثقف شعبها مهما كلفها ذلك ماليا، ونأتى إلى دور الهيئة الوطنية للإعلام، وهو الدور الذى كانت تقوم به سابقا وزارة الإعلام، ولا أحد يختلف معى فى أنها قد قامت به على أكمل وجه طوال سنوات وجودها، لا سيما حين كان صفوت الشريف قابعا فى الدور التاسع بمبنى ماسبيرو المطل على النيل، وللحق فقد نجح أنس الفقى فى السير على دربه فكان التليفزيون المصرى منارة للجميع وأسهم فى تشكيل الوعى الوطنى من خلال برامجه المختلفة ومسلسلاته التاريخية والدينية والاجتماعية، ولا شك أن مؤامرة كبرى قادها عملاء «الجزيرة» كان هدفها إسقاط ماسبيرو فى 2011، وقد نجحوا فى ذلك، فأغلق الشعب المصرى قنواته الرسمية وراح يبحث عن قنوات أخرى بديلة، بينما غرق ماسبيرو فى بحر مشكلاته التى لم تنته بعد، واليوم يتباكى الجميع على الدراما التى قدمها قطاع الإنتاج فيما مضى، وكنت أظن أن الهيئة الوطنية للإعلام ستفكر فى اليوم التالى لتشكيلها فى إعادة الإنتاج الدرامى لضمان المحتوى الداعم لفكرة بناء الإنسان المصرى، ولكنها وللأسف الشديد غرقت فى نفس بحر المشكلات المالية والإدارية، ولم تستطع خلال عامين إنتاج أى عمل درامى جديد، ولا أظن أنها قادرة على ذلك لأسباب معلومة للجميع، وأعتقد أن أمر ماسبيرو يحتاج لتدخل من الرئيس. وللحديث بقية