تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أثناء الاحتفال بذكرى المولد النبوى، كاشفة لحقيقة التحديات التى تواجه عملية تجديد الخطاب الدينى.
قبل ما يزيد على أربعة أعوام ونصف ومع بداية تولى الرئيس مهام ولايته الأولى أطلق مبادرته لمواجهة التطرف والإرهاب لتبدأ حرب فكرية موازية للمعركة العسكرية التى كان قد أعد العدة لخوض غمارها.
اعتقد الرئيس أن العتاد اللازم للحرب الفكرية جاهز ومتوافر لدى المثقفين ورجال الفكر الذين انتفضوا ضد الحكم الدينى الذى حاولت جماعة الإرهاب فرضه على المصريين؛ لكن أحدا منهم لم يلب نداء الواجب إلا من رحم ربي.
وبالمثل بدل من أن تنخرط المؤسسة الدينية فى الحرب المقدسة على الإرهاب خرجت منها أصوات تردد فتاوى تكفير المصريين المسيحيين على الملأ، وأخرى تعتبر الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى خروجا على ثوابت الأمة، وجنوحا إلى الزندقة والإلحاد؛ بل إن بعضها اعتبر نقد تقاعس المؤسسة الدينية الرسمية نقدا للدين ذاته، وهناك عشرات التصريحات والبيانات التى صدرت بهذا المعنى وأشرت لها فى هذه الزاوية.
اللافت أن المثقفين ورجال الدين الذين قالوا للرئيس (اذهب فقاتل أنت وربك الإرهاب ونحن قاعدون هاهنا)، راحوا يوجهون سهام النقد للدولة لأنها صارعت إلى شن حرب شعواء ضد فلول الإرهاب، وسخروا من حملتها العسكرية باعتبار أن الرصاص وحده ليس كافيا لقتل الفكر المتطرف.
فى المقابل لم يسلم الذين حاولوا الاجتهاد بتقديم دراسات نقدية جادة للتراث والفقه القديم من حراب التسفيه والتكفير، بينما تفتقت أذهان بعض أصحاب العمائم عن صياغة تعريف معاصر لمفهوم تجديد الخطاب الدينى يجعله قاصرا على تقديم عظات حول أهمية النظافة وضرورة تطعيم الأطفال والمحافظة على البيئة وأشياء من هذا القبيل.
حتى الآن لم نخط خطوة واحدة نحو مسار تجديد الخطاب الدينى ولايزال الحديث متوقفا عند مستوى التجديد الشكلى من حيث زى الواعظ واعتلاء منابر التواصل الاجتماعى كأدوات اتصال حديثة، إضافة إلى منابر المساجد، وهناك من يعرف التجديد بإحياء القديم والعودة إليه دون الاقتراب منه بالنقد أو النقض لأخذ الصالح وترك الطالح.
دعوة الرئيس إلى مراجعة التراث لنأخذ منه ما ينفع واقعنا وينير طريق مستقبلنا، وإنقاذ العقول الحائرة، إشارة إلى أن الموروث بإشكالياته وتعقيداته أضحى سببًا فى حيرة العقل الباحث عن الحقيقة، ففيه يجد خطابا يدعو للتسامح وآخر يحرض على الكراهية والعنف.
الرئيس لفت أيضًا إلى أن الخطاب الدينى السائد لم يعد قادرًا على التأثير فى سلوك الناس عندما قال (لا نريد أن يكون الخطاب مجرد دروس وعظ فى المساجد وعلى شاشات التليفزيون ويحتاج أن يترجم إلى سلوك وتساءل كم فى المائة من المصريين لم يكذب فى حياته ؟! كما تساءل عن سمعة المسلمين فى العالم.
الذين يقبضون على التراث بخيره وشره كالقابض على الجمر لم يسألوا أنفسهم، لماذا شاع الكذب فى أمة الصادق الأمين؟ ولماذا غاب الضمير وانهارت الأخلاق فى الوقت الذى تمتلئ فيه المساجد بالمصلين، والفضائيات الدينية تتكاثر بشكل كثيف؟!.
ألم يتنبه هؤلاء إلى أن خطابهم أنتج الكذب والتطرف والتخلف والإرهاب ناهيك عن تراجع قيم العلم والعمل واحترام حقوق المرأة؟!.
من المبادئ الإسلامية التى أشار إليها الرئيس التعايش السلمى بين الأعراق والثقافات المختلفة وقبول الآخر على قاعدة لا إكراه فى الدين وهنا يكمن التحدى الأكبر أمام عملية تجديد الخطاب الديني.
فعلى العكس من ذلك كله يرفض رجال الدين التعايش السلمى مع المفكرين والمثقفين الذين ينظرون إلى التراث والفقه القديم من منظور مختلف، ويعتبرونهم آخر، عدوا، لا يمكن قبوله، ويكرهون الناس على الإيمان بمفاهيمهم للدين وكأنها الدين ذاته ويرفضون أى تفسير مغاير رغم أن تفسيرهم ومفاهيمهم بشرية تقبل الخطأ كما تقبل الصواب.
وهذا ما يفسر غياب المثقفين الحقيقيين عن أى جهد فاعل فى عملية تجديد الخطاب الدينى، لذلك سادت رؤية رجال الدين للتجديد والتى تقتصر على الإطار الخارجى والشكلي.
التعايش السلمى بين المثقفين المصريين وبعضهم البعض، وبينهم ورجال الدين، وترسيخ مبدأ قبول الآخر أولى المعارك التى ينبغى علينا جميعًا الانتصار فيها على أنفسنا قبل أن نصدرها إلى باقى الأمم كقيم تعبر عن ثقافتنا.
فللأسف تفتقد حياتنا السياسية والثقافية هذه القيم تماما كما تغيب عن العلاقة بين المؤسسة الدينية الرسمية ورجال السياسة والثقافة والفكر.