ليست مصادفة أن تختفي وجوه الرماديين الذين صدّعونا على مدار السنوات الثلاث الماضية، وقالوا لنا إن "الإخوان فصيل وطني"، اختفت وجوههم الكالحة عندما انتفض الشعب المصري يومي 14 و15 يناير الجاري، في استفتاء موثّق بالتوقيع وبصمة اليد، رافضاً خلط الدين بالسياسة ومؤكداً رفضه للإرهاب المتأسلم.
هذا الزلزال البشري الذي يتحرك للمرة الرابعة في أقل من ستة أشهر، ليقول للعالم أجمع إن مصر الحضارة تنهض من جديد، قالها في 30 يونيو وفي 3 يوليو وفي 26 يوليو، وها هو يعيد نسج ثورته في شكل جديد، ولكن هذه المرة ينسجها على إيقاع صناديق الاستفتاء، وبالرغم من ذلك يخرج علينا نفر من الناس كنغمة نشاذ ليتكلموا عن مرسي وشرعيته وجماعته الإرهابية، محاولين فرضهم علينا من جديد، أو مساعدتهم على الإفلات بجريمتهم، هذا النفر لا أجد وصفاً مناسبا لهم، وأنا ليس من عادتي إطلاق تهم الخيانة، لذلك أرى أن وصفهم بـ "أرامل الإخوان" هو الأقرب إلى الدقة.
ويتنوع هؤلاء الأرامل ما بين حقوقيين على باب الله والمموّلين، أو جماعات قزمية تحوم حول جسد الإخوان مثل الردّاحين: مجدي أحمد حسين ومحمد الجوادي، أو بعض القتلة المتقاعدين مثل طارق الزمر وصفوت عبد الغني وعاصم عبد الماجد.
المؤكد هو أن قيادات الجماعة الإرهابية - التي كان اسمها الإخوان المسلمين - قد اقتربوا من الإقرار بالواقع وبثورة 30 يونيو المجيدة، ولكن أراملهم الذين نراهم في مناسبات مختلفة ما زالوا في غيّهم سادرين، وهو ما يؤكد أن الموضوع بالنسبة لهم "أكل عيش"، وإن شئت قل إنهم يأكلون بدجلهم "جاتوه" مغموساً بالدم، فالتجارة مع الإرهاب تدر عليهم أرباحاً هائلة، وانظروا إلى "عبد المنعم أبو الفتوح" والمتحلقين حوله من بعض اليسارجية، لتعرفوا نهر البذخ المالي الذي يسبحون فيه.
ولا يتوقف أرامل الإخوان عند حدود هؤلاء النشطاء والسياسيين، ولكن لدينا نوعا آخر تمّت زراعته بمهارة وإتقان في عدد من المرافق الحيوية، كالإعلام والجامعات، ففي الإعلام مثلا استمعنا إلى المدعو يسري فودة وهو يستهل برنامجه يوم الاستفتاء قائلا: "أهلا بكم.. أحد عشر قتيلا وأكثر من ثلاثين جريحا والإحصائيات لم تنته بعد"، فودة ابن مدرسة الجزيرة لم ير في خروج الملايين من ناحية، وإرهاب الجماعة الإرهابية من ناحية أخرى، سوى قتلى تم قتلهم قبل أن يقتلونا.
فعلاً.. أرامل الإخوان فقدوا صوابهم، وما زال لدينا "أرامل" قادرون على دسّ السم في العسل، وهؤلاء هم الذين اخترعوا لنا شعارين في منتهى الخبث: أولهما هو ادعاؤهم أنهم ليسوا إخوانا ولكنهم يحترمونهم، وثانيهما هو الدعوة لسقوط كل من خان، فلول وعسكر وإخوان، ولاحظوا معي زجّهم بالمؤسسة العسكرية في سياق ليس سياقها إطلاقاً، فحدود معلوماتي هي أن مؤسستنا العسكرية قد نجحت باقتدار في ضرب المشروع الأمريكي الداعي إلى التقسيم وتأجيج الإرهاب في منطقتنا، وتوطيده في ليبيا والسودان وسوريا.. أفلا تنظرون؟!.
وبينما يتحرك الأرامل بوعي وخبرة، يعرفون متى يعلو صوتهم ومتى يصمتون منزوين، فهناك قطاع - ليس قليلا - هو قطاع المساكين الذين تأثروا بفعل الدعاية السوداء لأرامل الإخوان، هؤلاء المساكين هم الذين اختاروا طريقاً عكس طريق الشعب، أو اختاروا العزلة والاعتزال، فبينما تنتفض مصر كلها بأصواتها المؤيدة للدستور - تلك الأصوات الجارفة التي تحمل ضمنيا رفضا جازما للإرهاب المتأسلم - وبينما المعركة هكذا، اختار أنفار مساكين الانزواء بالمقاطعة أو الرفض كخدمة مجانية للإخوان، وكتصادم غير مبرر مع الشعب، مساكين فعلا، احترفوا الخسارة وخدمة الخصم.