تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
هو آدم الجديد.. وإن شئنا نقول إنه آدم الأول.. حيث فرش جبال فاران بالورود الإلهية.. وغردت عصافير الجنة أعذب الألحان الكونية، وأروت مياه الدنيا بالماء الإلهى والنفحة الروحانية، هناك معراج استعدت الدنيا حيث لا توجد حدود مكانية أو فواصل زمنية، ولدت معه العقل والعقلانية والعاطفة المتأججة بالسماحة الوجدانية، ظهر سر الحياة وسرى فى الكون إكسير الحياة فى أنحاء البشرية، أشرق التجلى الأعظم فى الليلة المحمدية، معلنًا الضياء فى سدرة المنتهى السماوية، الكعبة فى الفرح الإلهى لكى تسكنها الملائكة بأوامر ربانية، حول الكعبة سبق أن طفها من قبل كرموز شيطانية، ثم جاء ابنه الأخير وسليله ليحطم أصنام الكلمة فى النفس البشرية، جاء ليحطم أصنام الطغاة، والبغاء بصورة أبدية.. يا سيدى كيف بدأت رسالتك، هذا الإنسان العظيم الذى جعل من الكلمة سلاحًا ونورًا، كانت الكلمة هى التلقى الأعظم ورسالته القرآنية والفرقان هى البيان بين الناس للحق من الباطل، والخير من الشر، فكانت الكلمة هى إلهام التأمل ومرآة الفكر الراقى النامى، والكلمة هى عنوان كل شىء لأنفسنا أمام الخال وعلى الأرض وعلى صفحة السماء، والتأمل فى مخلوقات الله من نبات وحيوان وجماد وصخر وجبال وأنهار ووديان.
والسؤال: هل عاش الطفل الملكى فى سنوات الشباب الأولى فى مطلعها للتجربة الدينية؟ هل كان يتردد بين آفاق النفس وآفاق الكون؟ هل كانت تحكى له الأساطير وتصل إلى مسامعه أديان الكون الموجودة؟ هل عرف قصة «يهوا»، ولم تنفذ إلى أعماقه، هل عثر على صورة يسوع ولم تحرك شغاف قلبه أم كان الصفحة البيضاء الناصعة لتلقى الحقيقة الكونية الآتية من السماء؟ والثابت علميًا أن الرسول، عليه الصلاة والسلام، لم تنفذ إلى أعماقه عبادة الأصنام، ولم يعرف محمد، عليه الصلاة والسلام، اليهودية، وهو يتجول عامًا بعد عام قبل الأربعين وقبل أن يتلقى كتاب الوجود الأعظم، ولم يعطِ بالًا إلى القواميس ولا ترتيلات الرهان، فقد سد الكون الأعلى إذا أنه عن كل ما هو أرضى وعن كل ما هو سماوى اختلط بالأرض، ومن هنا كانت صفحته بيضاء لتلقى الحقيقة السماوية، وتمضى الأعوام وتأخذ خطاه إلى أعلى الجبل.. جبال «فاران» حيث حدثت معجزة الكون الأبدية.. المعجزة التى طالما انتظرتها الدنيا.. أطل عليه الوحى إطلالته، نادته الأكوان والأزمان قديمًا وحديثًا.
جاءت الكلمة والقول الفصل: «أنى اصطفيتك على العالمين» قالوا من غلاة الاستشراق والتبشير كيف يمكن أن يكون المصطفى العظيم تلقى علمه من هذا الملأ الأعلى فقالوا إنه عالج الكتب المقدسة وعرف أسرارها فرددوا أنه ترديد لكتب إنسانية ورحلات محمد، عليه الصلاة والسلام، كانت بحثًا وراء حقائق دينية صحيحة، واستندوا على روايات مفككة تقول إنه تلقى العلم على يد «بحيرا»، راهب الشام، لكنهم هم أنفسهم لم يجدوا ذكرًا للتاريخ الكنسى لهذا الراهب، وقد أكدت أحدث البحوث العالمية فى هذه الشخصية ليست إلا أسطورة كاذبة وفرية لا أساس لها من الصحة على الإطلاق. لم تكن أساطير الأنبياء ولا بقايا الكتب تلقى إلى محمد عليه الصلاة السلام فى شبابه، ولم تلقَ ينابيع من الحكمة تنفجر فى أعماقه ولكن الحقيقة التى لا جدال فيها هى أن فكر محمد عليه الصلاة والسلام كان نتيجة للاصطفاء والتلقى الأعظم من الملأ الأعلى.
وذهب كل شىء وتغير وهو حجم كل شىء وتغيرت الأفكار واختلطت المذاهب وذهبت الأيام وتعاقبت وبادروا وانكسروا وثارت العواصف والأنواء وقامت الزلازل وانفجرت البراكين كل شىء تغير واحد.. بقى على الزمان دائمًا متحديًا ومتجددًا ملهمًا، «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا».
وعلى جبل حران تكاملت الكتب الإلهية وانبثقت حقيقة الكلام الإلهى وخطاب الكون الأعظم وسطح البيان لتشرق بنور عصر جديد، الكتاب موجود وقديم فى لوح الله الأزلى القديم، لكن كان يجب أن يأتى إلى البشر بالبشرى يرون فيه آمالهم وآلامهم فى حياتهم الدنيوية، وأن يعطيهم الأمل الوردى فى الحياة المقبلة وأن يصبح نبع كل فكر، وأن يرسم لهم النظريات الإنسانية، فما أرقه حبًا وما أشده نذيرًا فهو الفداء والسمير والبشير، فيا حامل القرآن حملته إلينا من السماء، كنت الواسطة العظمى بين عالم الغيب وعالم الشهادة، كنت الرباط الوثيق بين الأرض وعالم السماء.
لقد أعلن وحى السماء أنك رسول الله لكنك بشر.. وتتجسد فى صفات الرسول الكريم، قمة الواضع والحضور الذكى والوجود الطاغى بمعنى أنه سيرة غير مسبوقة وخالصة المتفردة الحميدة فهو النموذج الأمثل وقدرات تفوق كل وصف أو تخيل.
إن هناك جوانب مضيئة مشعة بالبركة لم تكتشف حتى الآن، وإذا انحصرت الأبحاث فى النصوص وفصل الخطاب والبلاغة، لكنها ما زالت لم تصل القراءة المتعمقة فى فقه السيرة بساطة الرسول الكريم بقدر ما تيسر حتى الآن هناك ما يجب تناوله، وهى خصال تميز بها أهل مصر، وهى البساطة التى تترجم إنسانية رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، فى التعامل بمنهج لم يسبقه أحد من الرسل بعيدًا عن صعوبة المنهج بل عالج أصعب الأمور بالدعابة فى أرقى معانيها حيث لم تكن مجرد الترويج عن النفس بل هو بشارة للبشر.
تتجلى رسالة «رسول الإنسانية» فى عمق بساطته وبساطة رسالته بلا فلسفة فنجد الرسالة فى مزاحه مع الصحابة فلم يكن مزاجه إلا صورة تشير إلى بشرى فاضلة أو مصلحة شاملة، فالمزاح فى الحقيقة غاية الجد ومزاحه مع الصحابيات والزوجات والتواضع الجم فى خطابه مع الجميع، ومنهم الأطفال ومع الصحابة والتابعين، وهذه القضية تفوق الملاطفة فى القول، لكن كانت رسالة تتقاطع فيها تخصصت عديدة سواء فى الفقة وعلى النفس والاجتماع والتاريخ والطب، فالمزاج هدى نبوى ومقصد شرعى وهى طريقة للتقريب بين الأهل بلا استنزاف وقت المؤمن وطاقته أو دفعه لينصرف عن عبادته ومعاملاته، لكن وضع ضوابط تقيده وحدود تحده ليتمكن الإنسان من تحقيق الغاية السامية والأهداف النبيلة.
لقد أعلن وحى السماء إنما أنك يا رسول الله «إنما بشر مثلكم يوحى إليه» بشر مثلنا فى جسدك فيك حق الإنسان.. وباطنك اكتمل بالوحى فكنت الإنسان الأعلى والنور الأوحد والخليفة الأول والأخير.. فسلام عليك أيها المتجدد الظاهر فى كل فكر والباطن فى كل عقل والمحتوى فى القلب المكسوب فى الدمع إنك فى الماء والهواء وفى السماء وفى الأرض لكنك بشر كأى بشر.. ولكنك أيضًا الوحى الآتى من السماء.
إن العالم لا يقف عند حد الاحتفال بعظمة الذكرى، لكنها هى الإعلان الحقيقى للمولد الحقيقى للبشرية أننا لا نختفل بعظمة الذكرى ونشر عطرها على العالمين، لكن الذكرى الغالية هى التى تعطرنا.. وهى التى تقول للإنسانية كلها نقطة بداية الوجود، ذكرى الإبداع المتجدد ونسمات الفيض من الله مؤيد.. هتفت باسمك الملائك قبل الوجود.
كان لى حظ حضور العديد من اللقاءات التى تجمع الأئمة الإجلاء احتفالًا بالذكرى، وقامت هذه المجموعة من الأجلاء فضيلة الشيخ محمد محروس الخراشى وهو سليل بيت الإمام الخراشى أول شيخ للجامع الأزهر عام 1690م والأئمة الأجلاء أحمد موسى طه وأحمد ربيع فجمعت هذه القوافل بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وقبل ذلك فهم جاءوا مع الحاضرين لشرف ميلاد وتكريم الأمة وسيد الأمة وحامل لواء الحق بلا فخر والذى قال ربنا له بكل التعظيم، وناداه يا أول النبى يا أيها الرسول قال الحق إننى لا أخزيك فى أمتك أبدًا، وكانت إجابة الرسول الكريم أنه يتحمل عبء الشفاعة، قائلًا: أنا لها.. أنا لها.. هذا الربيع، ربيع الأنور، ربيع الإنسانية فليس لها إلا عنوان واحد هو الرحمة المهداة.
فيك الفداء وفيك العقل وفيك العواطف وفيك موسيقى الحياة.
ظهورك موت الطغاة فأنت الرحمة المهداة وكل من ضل طريقة إليك تاه.. فأنت الكلمة التى تتغنى على كل شفاه.. أنت الصخور والثبات والنور وماء الحياة والعدل والقضاء على العبودية وأرسيت قواعد المساواة.