في الوقت الذي يستعد فيه المهتمون بصناعة السينما لمتابعة فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وإشعال الشمعة الأربعين من عمر هذا المهرجان، تقف هناك أزمة عصية على الحل، ولا تقل في أهميتها عن أزمة استقدام المخرج الفرنسي كلود ليلوش لتكريمه في هذه الدورة بالرغم من معرفة الجميع بمدى ولائه للكيان الصهيوني، ورغم حل تلك الأزمة بإلغاء تكريم هذا المخرج إلا أنها ستظل سُبَّة في جبين القائمين على هذه الدورة.
والأزمة التي ظهرت على السطح بمجرد انتهاء أزمة كلود، هي أزمة إبداع وتذوق، وتحديدا تلك الخاصة ببوستر وتميمة المهرجان والمادة الفيلمية الدعائية التي ترتبط بها هذه الدورة، والتي تم إسناد مهمة ابتكارها وتنفيذها للفنان التشكيلي والمخرج أحمد مناويشي، الذي أنهى عمله بعيدا عن أعين الإعلام، ولم يعلن عما أوكل إليه من مهام من جانب المهرجان، حتى فوجئ الجميع بالشكل النهائي لتصميماته التي كانت بمثابة خطوة رائعة لإصلاح ما فسد في جسد مهرجان بدأ يشعر بالوهن والضعف بالرغم من أنه في ريعان شبابه.
وبدأت الآراء السلبية تتوالى على تلك التصميمات من جانب بعض المحيطين بالمنتج والسيناريست محمد حفظي رئيس المهرجان، وبعدها يتم إسناد مهمة التعديلات على تلك التصميمات لآخر، لتصل الأزمة إلى منطقة جديدة، وهي وجود تصميم أصلي وآخر بديل تم تنفيذه من التصميم الأصلي ولكن بطريقة أنهت الحيوية والحركة واللمسة الإبداعية، وبدا التصميم المقلد كما لو كان تمثالا بدون روح.
واشتدت الأزمة حينما علمت الصحافة بما حدث، لتتوالى الأخبار والتصريحات من هنا وهناك، ويجد حفظي نفسه أمام خيار واحد يشبه إلى حد كبير الخيار الذي لم يجد سواه في أزمة كلود ليلوش وهو الرضوخ لوجهة نظر الصحافة الفنية، وتأكد أنه في أزمة البوستر لابد أن يعود لصاحب التنفيذ الأصلي، ويحاول أن يرضيه بأية طريقة، فما كان منه سوى أن يذكره بأنهما أصدقاء، وأن "الشغل" مش مهم، والمهم هو صداقتهما، وكأن هذا الذي يسميه "شغل" هو عمل خاص بينهما، وليس عملًا عامًا يخص كل مصري بل وكل مهموم بالسينما والذوق والجمال على مستوى العالم، فهذا الشغل يرتبط بمهرجان مصري دولي ميزانيته من ميزانية الدولة، ويشارك فيه فعالياته مبدعون من كل أنحاء الدنيا، بل ووصل الأمر إلى مداه وحتى يرضى "مناويشي" أكثر بأن قال له: "طظ في المهرجان".
لا يعنيني هنا وقراء تلك السطور كواليس هذه الأزمة الشائكة وملابساتها الكثيرة، ودروبها وحواريها المختلفة، ما بين مدافع عن حفظي كرئيس لمهرجان مصري كبير يجب أن نسانده بحجة الحفاظ على سمعة مصر، وما بين المهاجم الذي ينتظر ولو شرارة بسيطة ليشعل فتيل النيران، ويزيد من لهيب الأزمة، ولكن ما يعنيني هو عدة تساؤلات، أحتاج إجابة شافية عنها شأني شأن كل المصريين العاشقين لهذا البلد: هل المهرجان لا يعني شيئا لرئيسه؟ وهل يعمل متبرعا على مدار فترة توليه منصبه؟ وكم تبلغ الميزانية الحقيقية للمهرجان؟ وما هى تفاصيل الإنفاق؟ وهل هناك بعض الشخصيات في أروقة المهرجان تلعب لحساب نفسها وتريد ايقاع حفظي في شر أعماله؟ وكيف يمكن معالجة كل تلك الأمور والرد على كل تساؤلات المهتمين بالسينما المصرية قبل ساعات قليلة من افتتاح المهرجان؟
الإجابة تكمن بداخل ضمير المسئولين عن هذه الدورة، فحتى نحقق بالفعل مقولة "تحيا مصر" لابد أن نتحقق مما يفعله من أوكلت إليه تحقيق تلك المقولة في كل مجال، وتحديدا المجال السينمائي الذي نتحدث عنه هنا، ولا ضرر من فتح الجرح وهو في بادئ الأمر للوقاية من خطر أكبر قد تتضاعف بسبب إهماله آلام الجسد المريض للمهرجان.