ذكرت صحيفة "وشنطن بوست" الأمريكية اليوم السبت، أن نفوذ إيران الذي كان يوما لا يُقهر في العراق أصبح الآن آخذ في التراجع حسب استطلاع للرأي نُشر في الآونة الأخيرة.
وقالت الصحيفة إن بزوغ النفوذ الإيراني كان ببداية الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 إذ ملأت إيران فراغا سياسيا خلفه سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين بطريقة لم تستطعها الولايات المتحدة مستغلة قطاعا عريضا من الوكلاء العراقيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن شعبية إيران زادت بشكل مهم في العراق منذ عام 2003 وحتى عام 2014. وعمدت استراتيجية إيران إلى استغلال الانقسام الطائفي في العراق واستخدام الأحزب الشيعية في زيادة نفوذها ليس فقط بين النخبة السياسية ولكن أيضا بين المواطنين الشيعة العاديين. وكانت الدعاية الدينية الطائفية واحدة من الأساليب الرئيسية التي استخدمتها إيران لزيادة شعبيتها ومن ثم تأثيرها على العراقيين.
وقالت الصحيفة إنه في الوقت الذي يتعامل فيه كثير من المحللين مع النفوذ الإيراني في العراق بوصفه حقيقة طبيعية أظهر استطلاع جديد للرأي أن شهر العسل بين إيران وشيعة العراق في طريقه إلى الزوال وهذا التغير في التوجهات قد يكون له تأثيرات عميقة على مستقبل مسار العملية السياسية في العراق.
وأوضحت الصحيفة أن الاستطلاع، الذي أجرته جماعة (ألوستاكيلا) البحثية، شمل عينة مكونة من 3500 عراقي من أنحاء مختلفة من البلاد مشيرة إلى أنه تم إجراء مقابلات معهم وجها لوجه. وأجريت المقابلات على مدار العقد الماضي.
وقالت الصحيفة إن المسح أشار إلى تغييرات جذرية إذ انخفضت نسبة الشيعة العراقيين الموالين لطهران من 88% في عام 2015 إلى 47% بحلول خريف 2018. وخلال الفترة ذاتها ارتفعت نسبة اولئك الذين يكنون مشاعر سلبية تجاه إيران من 6% إلى 51%. وهذا يعني أن غالبية الشيعة العراقيين الآن لا يشعرون بالارتياح تجاه إيران.
وقالت الصحيفة إن نسبة الشيعة الذين يعتقدون أن إيران شريك يعتمد عليه في العراق انخفضت بشكل جذري من 76% إلى 43% خلال الفترة ذاتها. بينما ازدادت نسبة اولئك الذين يعتقدون أن إيران ليست شريكا يعتمد عليه للعراق من 24% إلى 55%. وقالت الصحيفة إن هناك زيادة كبيرة في نسبة العراقيين الشيعة الذين يؤمنون الآن بأن إيران تشكل تهديدا حقيقيا لسيادة العراق. وقفزت نسبة أولئك من 25% في 2016 إلى 58% في 2018.
وحاولت الصحيفة الوقوف على أسباب هذا التحول وقالت إن شيعة العراق يُحملون إيران المسؤولية عن المأساة التي عاشوها على الثلاثة مستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فعلى المستوى السياسي ينظر الشيعة إلى إيران بوصفها الداعم الرئيسي لجميع الحكومات العراقية منذ عام 2006. وهذه الحكومات التي سيطرت عليها الأحزاب الشيعية كانت تحظى بالدعم الكامل من إيران ومع ذلك فشلت في تقديم مستوى المعيشة الملائم للعراقيين بوجه عام والمناطق الشيعية بوجه خاص. وأسفر هذا الأمر عن موجة كبيرة من الاحتجاجات العام الماضي في جنوب العراق.
وعلى المستوى الاقتصادي، استخدمت إيران العراق كطريق لمراوغة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها فكانت تغمر الأسواق العراقية، خاصة في المناطق الشيعية القريبة من حدودها، بالسلع بأسعار رخيصة وبجودة متواضعة.
وأسفرت هذه الممارسة عن الاضرار بالاقتصاد المحلي وتدمير المشروعات الزراعية والصناعية العراقية الصغيرة والمتوسطة. فعلى سبيل المثال أغلق أكبر مصنع للبتروكيماويات أبوابه وأوقفت آلاف من حقول الطماطم في البصرة إنتاجها بسبب المنافسة غير العادلة.
واجتماعيا، يلقى على إيران كذلك باللوم في مشاكل المياه التي تعاني منها العراق في البصرة والجنوب تحديدا فبسبب نقص المياه وانقطاع الكهرباء في إيران اضطرت الحكومة الإيرانية إلى خفض تدفق مياه الأنهار التي توفر مياه نظيفة للعراقيين. وأسفر ذلك عن نقص هائل في مياه الشرب في جنوب العراق الذي تقطنه غالبية شيعية.
وأسفرت كل هذه العوامل عن احتجاجات واسعة النطاق في جنوب العراق وخاصة في البصرة. وحمل المتظاهرون إيران المسؤولية وأحرقوا قنصليها في البصرة.
وفي الختام قالت واشنطن بوست إن كل هذه الأسباب لا تدفع إلى الاعتقاد بأن إيران ستفقد كل تأثيرها في العراق فما زالت تحتفظ بحلفاء ووكلاء بما في ذلك قوات الحشد الشعبي الشيعية والأحزاب السياسية.
وقالت الصحيفة إنه نظرا للممارسات البربرية لتنظيم داعش الإرهابي في المناطق السنية التي احتلها في العراق، بات كثير من السنة العراقيين يشعرون باستياء مماثل تجاه الجماعات المتشددة المحسوبة على التيار السني.
وقالت الصحيفة إن تشكك العراقيين شيعة وسنة في تياريهما يظهر أن الاستقطاب الذي عانى منه العراقيون لفترة طويلة آخذ في الزوال وهذا يفسح المجال لعملية سياسية وطنية لا تقوم على الطائفية بما يمكن أن يساعد العراق كثيرا على التحرك صوب المصالحة الوطنية.