رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

على هامش "بيكا وشطة" من الذي يحكم في أغاني المهرجانات؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طوال الوقت هناك غناء يعيش معك طويلًا، يسكن روحك ويغسل وجدانك ويرتقى بك لتصبح شفافًا، غناء قادر على لمس أجمل ما فيك، وبينما الحال هكذا، يوجد فى ذات الوقت «بثور متقيحة» تدعى الفن وتبتذل الغناء والموسيقى ألعن فى تأثيرها من المخدرات، قبل أيام خرج الناس من فيلم البطاطس إلى فيلم تافه لاثنين متصالحين مع واقعهما يقولان إنهما محترفان فى أغانى المهرجانات، لا يهمنا تلاسن كل منهما على الآخر، ولا يهمنا موضوعهما من الأساس، ولكن عيوننا على قطاع ليس بقليل من شبابنا وقد انخرط فى تلك الموجة العبثية من الغناء، وصار تمثيل الطعن بالمطواة والضرب بالسنجة فى رقصاتهم المصاحبة لما يزعمون أنه غناء هو النموذج والثقافة والقناعة، بل والسعادة والانتشاء لمتعاطى هذا النوع من الغثاء.
لا عتب على من تصدى فى الحوارى مغنيًا للبانجو والعنف، وكما قال أحدهم فى أغنية له «طلع سلاحك متكامل» هكذا ببساطة ينمو ذلك الانحطاط وينتشر ويجد جمهورًا واسعا، تلك الظاهرة قديمة متجددة، لا نكتب من باب التعالى عليها، ولكننا نشير بألف إصبع إلى ضرورة دراسة هذا الواقع واستشراف مستقبله، وفى ظنى أن الانقسام حتى فى مجال الفن صار واضحًا، وأخشى أن أقول بأن التطرف فى الاقتناع بمنتج فنى ما، صار مدرسة شعارها «إن لم تكن معنا فأنت ضدنا»، لست أخلاقيًا لأدعو إلى غسل كلمات الأغنية، ولكننى كل ما أخشاه هو سيادة النموذج المنحط فنيًا، وانعكاس ذلك على بنية المجتمع التى هى ليست على ما يرام.
سيقول البعض، وهل يتفسخ المجتمع من أغنية تدعو إلى الإسفاف؟ أقول نعم، تماما كما يرتقى المجتمع بأغنية اجتهد صانعوها فى الكلمة واللحن والأداء، فتأثير الأغنية أعمق من لحظة الانتشاء وقت سماعها، الأغنية هى تربية وجدان عام، وهى مؤشر التوجه نحو الاكتمال، تعيش معك فى صحوك وفى نومك ترفعك ألحانها راقصًا فوق السحاب، وتتسلل كلماتها بهدوء فى نسيج لحمك، أما الأداء إذا فتح الله على مطربها فلا شك يدخل بك إلى سماوات جديدة.
لذلك توقفت عند تلك المسخرة التى أصابنا التخلف بها فى خناقة «شطة وبيكا»، لم أتوقف عندهما كأشخاص مساكين وضعتهما الظروف فى هذه الحالة، ولكن أتوقف عند الجمهور المستمع، والمستمتع فى آن واحد بهذا الغثاء، كيف وصل البعض إلى هذا التدنى ليفرح بالوهم الكاذب وبالفراغ وبالعنف والغيبوبة؟ والإجابة على هذا السؤال ليست بالصعبة، فعندما نعرف أن حصة الموسيقى بالمدارس قد تحولت إلى حصة نوم وفى بعض المدارس تم إلغاؤها تمامًا، سنعرف من هو المتهم، وعندما نعرف أن الأغنيات الملهمات فى تاريخنا الفنى يتم بثها فى الفضائيات بالمصادفة عندما يشبع مطربو العلاقات العامة من البث مدفوع الأجر، سوف نعرف من هو المتهم، وعندما نرى وزارة الثقافة بجلالة قدرها وقصورها الثقافية المنتشرة فى طول البلاد وعرضها قد تحولت إلى مشاريع لتصدير كل فجاجة إلى الواقع الاجتماعى للدرجة التى يهرب من تلك القصور كل مبدع جاد سواء فى الشعر أو الموسيقى أو التمثيل، عندما ترى ذلك ستعرف من هو المتهم.
أزمة «البطاطس» ليست مرتبطة بالمطبخ المنزلى وحده، ولكن البطاطس صارت منهج حياة فى كل الوزارات المعنية بتربية الوجدان، الفساد وغياب الرؤية والاعتماد على أهل الثقة ومطاردة أهل الخبرة، كل هذا سرطان ينهش أيامنا المقبلة، فيجعل من حمو بيكا ومجدى شطة حديث الساعة، بينما الفنانة عازفة الفلوت وزيرة الثقافة تبدو عازفة عن اتخاذ الخطوات الكبيرة المنتظرة التى تليق بنا كشعب وتليق بمصر الجديدة.