الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تشويشهُن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما يروج أن التشويش يحصل تقنيًا من تداخلات هى اهتزازات غير منتظمة يستقبلها الراديو فتخلخل البث، و«شوش النظام العام، شوش عليه الأمر خلطه ولبّسه عليه، أوقعه فى اضطراب وغموض» (لسان العرب)، فى المعجم اللغوى أشارة إلى أن لا أصل فى العربية لمفردة «التشويش» وأنها من كلام المُولدين (مستحدث وليس فى أصل اللغة)، وفى أغلب اللهجات العربية تتداول «تشويش، يُشوش، شوش علينا» قصد الإشارة إلى من يُحدث صوتا ما يلفت الانتباه ليشغل الناس بأمر آخر عن الموضوع العام، ويكسر إيقاع المكان والزمان. 
لكن نخبة نساء ناشطات ومدافعات كان لهن تشويشهن عن سبق إصرار، اجتمعن من حقول أدبية وفنية وأكاديمية، مثلن بيئات لها ظروفها وإشكالاتها، وحضرن من قارات متعددة أفريقيا، آسيا، أوروبا، أمريكا، جعلن من «التشويش» هزًا للصورة النمطية، وكسرًا للمعتاد، وللصوت الواحد، وطرحًا للأسئلة المؤجلة المغيبة، التشويش خرج اشتغالًا وانشغالًا، تحفيزًا للحوارات والمحادثات المشتركة، وتوسيعًا لشبكة يتم فيها تبادل المعارف بحوارات مفتوحة متنها نتاجهن: «نصوص شعرية وقصص، سيرة، تشكيل، سينما، موسيقى وأغانى، رقص، ومسرح»، قدمن للجمهور مادة تعرض أسئلة ومسائل نسوية فى شكل تجارب، وشهادات، وورش، وفى بعضه تجريب وإجابات غير مكتملة، التشويش يتعدى الانتماءات الجغرافية ويبحث فى المشتركات.
مشروع التشويش وخلخلة الثوابت قاده معهد «جوته» بالقاهرة (6-12 نوفمبر)، الافتتاح جرى بمقره الرئيس بالدقى «القاعة والسطح»، وتوزعت عروض الأفلام واللوحات بمؤسسة «مدرار»، ومعهد «أرسنال»، ومسرح «الجزويت»، وفى كلمتها مديرة البرامج الثقافية بالمعهد ومديرة المشروع «يوهانا كلير» وبعربية متقنة ولهجة مصرية قالت، إن الإعداد للمشروع استلزم سنتين وبالتعاون مع الجزائرية نجمة بن شلابى، وشتيفانى شتراتهاوس، وعدة أفراد ومؤسسات عربية وأوروبية، استغرقتنا نقاشات وتقاطعنا حينا وأتفقنا حينا آخر، فلم يكن الأمر سهلا، أن نجمع نساء من أكثر من مكان ليتوحدن هنا وبتخصصاتهن المختلفة، وهن من طرحن أسئلتهن المغايرة وخضن تجارب مفارقة مع الراهن الذى نمر به، وأطلقت «يوهانا» مفردات مشتقة من التشويش، «شششش، تشوووويش، أش أش». ما أثار تشويشا ضاحكا بالقاعة، فبادرت اليوم كيف تفكر النسويات؟ كيف يمكننا هز الصورة النمطية والطريقة التى تمثل بها النساء والمسائل الجندرية- النوع الاجتماعى- هنا مساحة مفتوحة لأن تشوش النساء باتجاه تحريك الراكد فى محيطهن، ورفع هيمنة الانطباعات الموسومة بالتنميط والقولبة الأحادية. 
كان فيلم الافتتاح «وا ويلاه» للكويتية منيرة القديرى فكرة وتمثيلا وإخراجا، والتى لجأت لأغنية شعبية تبدأ بموال مأساوى يضج بأنين شكوى ووجع فقد للحبيبة، منيرة تقلب المشهد وتتلبس دور المغنى هيئة وصوتا!(تظهر متنكرة بلحية وعمامة وثوب شعبى رجالى)، فى عرض سريالى لفاجعة الفقد لمن تبدو الحياة بدونها لا تطاق، تتدخل سينوغرافيًا بتأويلها لحالة الشفقة على النفس من تداعيات كل ذلك الحزن والتوجع وبمنحى ساخر وتهكمى، تضيف دموعا من ورق، وإيماءات تعبيرية جسدية تعكس الحالة، فتخلخل فهمنا!
وفى مشاركة لمشروع بحثى قيد التطوير بعنوان «يتمنعن وهن راغبات»، طرحت المخرجة والكاتبة المصرية سلمى الطرزى، أسئلتها المنشغلة بثقافة العنف الجنسى، وأنماط الحب والرغبة بعينة من 25 فيلما، وبمقارنة بين السينما فى مبتدأها وبين موجة السينما النظيفة، وتساءلت «سلمى» حول كيف يمكن لثقافة العنف والتمييز أن تؤثر على موضوعات السينما التجارية بمصر؟ وكيف تساهم السينما فى إعادة إنتاج تلك الثقافة وتقوم بتحويلها لسردية سائدة منمطة؟ 
الفعاليات التى تميزت بالالتزام بمواعيدها، وبتوفير حافلة نقلت الحضور من مكان لآخر لمتابعة العروض لامست: أثار الهجرة والاغتراب، فتعرض الكاتبة والمسرحية الفلسطينية فرح برقاوى قراءة مسرحية، لعلاقة أب بابنته بين التصالح والصدع المستمر لعائلة فلسطينية مشتتة، وأداء الشبكات النسوية فى عنوان «العدالة العابرة لحدود الأوطان» للباحثة الألمانية «نيكتا داوان» داعية لتعاون عالمى لمناهضة العنف المبنى على الجندر وتعزيز المساواة الجندرية، وعن الأمومة وأشباحها، التقت المترجمة والكاتبة اللبنانية الألمانية ليلى الشماع، والمصرية إيمان مرسال الشاعرة والمترجمة، إذ تتحركان فى عالم داخلى يتم إهماله واستبعاده فى سرد خاص يتوسل الذكريات والصور هو كتابة الأمومة، والدفاع عن الأقليات «إطار مائل» للتونسية أميرة حمدى فى مشروع قصائد.
فعاليات أسبوع معهد جوته «تشويش» تمركزت فى عدة أهداف منها، خلق سردية منقحة تحطم مفهوم أن التاريخ يعيد نفسه كتقليد عتيق لفهم التاريخ بمنحى ذكورى، والدعوة إلى التعاون النسوى والترابط على مستوى الخطاب دون أن تهمل تجارب ناشئة تتلمس آفاقا جديدة، وممارسة النقد الذاتى كما، وقبول النقد لاستيعاب الرؤى البديلة.