جاءت زيارة الرئيس السيسى للسودان -الناجحة بالتأكيد- فى توقيتها المناسب تمامًا من أجل توطيد العلاقات التاريخية والحالية والمستقبلية مع الدولة الشقيقة السودان، وفتح آفاق للعمل معا والاستثمارات المشتركة وإقامة العديد من المشروعات المشتركة فى المجالات كافة، وأعقب الزيارة لقاء الرئيسين السيسى والبشير فى شرم الشيخ على هامش «منتدى شباب العالم».
ونتمنى أن تتكرر الزيارات المتبادلة مع العديد من الدول الأفريقية، لأننا فى حاجة ماسة إلى أشقائنا من دول أفريقيا، بعد أن تراجع دور مصر كثيرا فى أفريقيا خلال السنوات الماضية، وبالتحديد ما قبل السنوات الأربع الماضية، ربما بسبب ما شهدته مصر من حالة عدم استقرار نسبى وثورتين، والانشغال بمحاربة الإرهاب والذى لا يزال يواجه جهود التنمية فى البلاد.
ربما سعت مصر فى أعقاب قيام ثورتيّ 25 يناير و30 يونيو إلى استعادة الدور المصرى فى أفريقيا، كإحدى دوائر الأمن القومى المصرى، خاصة فى ظل العلاقات التاريخية والمصالح الحيوية بين مصر ومحيطها الأفريقي؛ حيث تسعى مصر لاستعادة دورها التاريخى فى القارة من خلال رؤية استراتيجية، ومن ثم فإن الجولة المصرية فى السودان اتسمت بالعمل الكثيف، حيث تم توقيع 12 اتفاقية، وهناك تصميم لدى البلدان لزيادة التواصل والربط بينهما، وهناك رؤية مشتركة للقيادتين السياسيتين السيسى والبشير، وتم الاتفاق أيضا خلال الزيارة على الإسراع بتنفيذ واستكمال العديد من المشروعات الاستراتيجية، مثل الربط الكهربائى والسكك الحديدية بين البلدين. علاوة على فتح قناة اتصال مباشر بين الوزارتين لحل كل التحديات العالقة، التى تؤثر فى انسياب وتدفق حركة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة؛ حيث إن الاستثمارات السودانية فى مصر تقدر بنحو 81 مليون دولار موزعة على 271 شركة، بينما الاستثمارات المصرية فى السودان خلال الفترة من عام 2000 وحتى عام 2013، حوالى 799 مليون دولار موزعة على 78 مشروعًا، ويبلغ حجم التبادل التجارى السلعى بين البلدين، نحو 364 مليون دولار خلال أول 8 أشهر من 2018، 222 مليون دولار صادرات مصر للسودان خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2018، فى حين تستورد مصر من السودان بـ 142 مليون دولار خلال 8 أشهر!
ولا بد لمصر أن تستعيد دورها المفقود فى باقى دول القارة الأفريقية العملاقة من خلال الصناعة والتصدير والتعاون الثقافى والاقتصادى وربما العسكرى المشترك، ولا بد من الاستمرار فى مسار المفاوضات حول سد النهضة من خلال اللجنة الثلاثية الفنية الوطنية والمسار السياسى من خلال اللجنة السداسية، بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدوليين بشأن عمل دراسات حول آثار السد على دولتيّ المصب!
والاستمرار فى متابعة المشروعات المائية التى تقام فى دول حوض النيل على مجرى النهر، بهدف ضمان عدم المساس بحصة مصر المائية أو الإضرار بحقوقها فى هذا الشأن، ولا بد من دفع التعاون فى مجال الموارد المائية مع دول حوض النيل وتقديم مصر لخبراتها فى هذا المجال، بهدف التعاون لاجتذاب الفواقد المائية بغرض زيادة إيراد النهر تحقيقًا لمصالح دول الحوض.
وينبغى استمرار متابعة ما آلت إليه المفاوضات بين الأشقاء فى الحوض بشأن سبل دفع الأمور إلى الأمام، والتوصل إلى التوافق المطلوب حول الاتفاقية الإطارية غير المكتملة، نحتاج إلى الاهتمام أكثر بأفريقيا، فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادى والاستثمارات والثقافات والتعليم وفتح أسواق لنا هناك فى العديد من الدول الأفريقية، وأن تتواجد مصر دائما فى قلب أفريقيا مثلما تفعل القيادة السياسية حاليا، وقد تعهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعودة مصر إلى سابق عهدها وقوتها المعروفة فى القارة السمراء، مؤكدًا فى حواره مع مجلة «جون أفريك»، أن الأزمة الليبية تستوجب البحث عن حلول توافقية بين الأطراف الليبية بدلًا من الاعتماد على الغرب فقط. وقد أجرى السيسى جولة لـ4 دول أفريقية مؤخرا، تشمل كلا من: رواندا وتشاد والجابون وتنزانيا، فضلا عن زيارته لإثيوبيا، وذلك فى إطار جولات الرئيس السيسى لتعزيز ودعم العلاقات المصرية الأفريقية، وتوضيح موقف مصر من القضايا العالقة، وتأكيد حرص مصر الدائم واهتمام القيادة المصرية بأشقائها فى القارة وتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية.