الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

واحة الخميس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ملحمة أكتوبر - 6
الحقيقة أن الحديث عن الملحمة المصرية العظيمة التى قام بها الجيش المصرى الباسل فى أكتوبر 73، يحتاج لمجلدات ضخمة، وليس لسلسلة مقالات محدودة المساحة والتوقيت، فلكل بطل من الثمانين ألفًا الذين عبروا القناة قصة وبطولة، وإدارة المعركة سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا تمت بما لا يتخيله البشر، أما الشعب المصرى فقد أظهر معدنه الأصيل طوال أيام المعركة، ويكفى القول بأن سجلات وزارة الداخلية لم تسجل محضرًا جنائيًا واحدًا منذ قامت المعركة وحتى انتهت، ولم يحدث شجار أو سرقة، فالجميع يرفعون أكف الضراعة إلى المولى عز وجل، وهم يتابعون بشغف انتصارات أبطالنا على الجبهة، والتى أكدتها كل وسائل الإعلام العالمية حينها، وكنا فى المقال السابق قد توقفنا عند خطاب الرئيس السادات أمام مجلس الشعب فى 16 أكتوبر، والذى أعلن فيه تحقيق النصر بعبور قناة السويس، واقتحام خط بارليف، وتكبيد إسرائيل أكبر خسارة عسكرية فى تاريخها، وبعد هذا الخطاب التاريخى عمت الفرحة شوارع مصر ودوت الزغاريد، وارتفعت صداها لتصل إلى جنودنا على الجبهة، وأدركت إسرائيل أنها مهزومة لا محالة، خاصة وأن الجيش المصرى يتقدم يومًا بعد يوم ويحقق انتصارًا عظيمًا يفوق الخيال، وظلت الاشتباكات مستمرة حتى أعلنت إسرائيل موافقتها على قرار مجلس الأمن الصادر يوم 22 أكتوبر بوقف القتال، والتزمت مصر أيضًا بقرار مجلس الأمن، وظهر موشى دايان على شاشة التليفزيون الإسرائيلى باكيًا، وهو يقر بالهزيمة، واجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلى ليتخذ قرارًا سريًا باستغلال فرصة وقف إطلاق النار، والتقدم نحو الغرب، وتحديدًا نحو منطقة الدفرسوار، ومدينة السويس، وذلك بهدف تغيير النتائج النهائية للحرب، وكان القمر الصناعى الأمريكى قد رصد نقطة خالية من تمركز قوات الجيش الثالث، وأهدت أمريكا هذه الصور لحليفتها إسرائيل، ولاح الأمل فى أعين صقورهم، لاسيما الجنرال شارون الذى أوهمهم بقدرته على دخول السويس خلال أربعة وعشرين ساعة، ولكن يبدو أنه قد نسى أن أبناء السويس بمقدورهم الدفاع عن مدينتهم، وبالفعل فشلت إسرائيل بعتادها وجنودها أن تقتحم المدينة الباسلة، ونجح أبطال المقاومة الشعبية فى تكبيد إسرائيل المزيد من الخسائر، وأجبروها على الهروب منها فى 24 أكتوبر، وهو التاريخ الذى تحدد فيما بعد ليكون عيدًا قوميًا للمحافظة، والتى صلى فيها الرئيس السادات صلاة عيد الفطر ليبين للعالم كله المعدات الإسرائيلية التى نجح أبطال السويس فى تدميرها، وترضخ إسرائيل فى نهاية المطاف إلى قرار إيقاف إطلاق النار، وتبكى جولدا مائير، وهى تعلن هزيمة جيشها، ويقرر الكنيست تشكيل لجنة برئاسة «شيمون إجرانات»، وهو قاضى فى المحكمة العليا، وكان هدف هذه اللجنة هو التحقيق فيما حدث أثناء حرب الغفران، وكانوا قد أطلقوا على حرب أكتوبر هذا الاسم نظرًا لنشوبها فى أقدس يوم عندهم وهو «يوم الغفران» أو بالعبرية «كيبور»، ولما انتهت هذه اللجنة من عملها وضعت تقريرًا جاء فيه على لسان قادة إسرائيل أن المصريين قد خدعونا، ولم نتصور يوما أنهم سوف يحاولون عبور قناة السويس لاستحالة هذا الأمر، ولم يخطر على بالنا أن الجندى المصرى لديه القدرة على صعود خط بارليف أو تدميره واعترف قادة جيش الدفاع بأنهم واجهوا كارثة حقيقة، وأن أكبر مفاجأة لهم تمثلت فى هذا التخطيط البالغ الدقة، والذى لم يترك شيئًا للصدفة، وحملت لجنة إجرانات رئيس الأركان الاسرائيلى أليعازر مسئولية عدم تقدير الوضع وقررت عزله من منصبه، وهو نفس ما حدث لالياهو زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية، وقررت عزل مجموعة كبيرة من الضباط الذين هربوا من أرض المعركة أمام المصريين، وتركوا أسلحتهم وأجهزة اللاسلكى الخاصة بهم، والتى مكنت سلاح الإشارة المصرى من فك شفرات الاتصال بين قادة الجيش الإسرائيلى، ومن ثم أصبحت معلومات تحرك وحداتهم العسكرية عند المصريين أولًا بأول، واضطر موشى دايان للاستقالة من منصبه كوزير للدفاع معلنًا تحمله المسئولية السياسية للهزيمة، وبعد سنوات كتب فى مذكراته يقول «إن إسرائيل كادت تنهار فى 73»، وكتبت جولدا مائير فى مذكراتها التى نشرتها فى كتاب بعنوان «حياتى»، «لا شىء أقسى على نفسى من كتابة ما حدث فى أكتوبر فلم يكن ذلك حدثًا عسكريًا رهيبًا فقط، إنما كانت مأساة عاشت، وسوف تعيش معى حتى الموت، ولقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها»، وهكذا اعترف قادة إسرائيل بهزيمتهم، وأعلنوا ذلك فى مذكراتهم، ورغم ذلك فإن بعض شبابنا الجاهل ينكر انتصارنا ويشكك فيه، تمامًا كتلك المرأة العميلة الجاهلة الهاربة التى تدعى آيات عرابى، والتى لا تتوانى عن الهجوم على الجيش المصرى، وفى أكتوبر الماضى بثت فيديو عبر الفيس بوك تقول فيه «إن الجيش المصرى لم يحقق انتصارًا فى 73، وقد أصابتنى تلك الأكاذيب بصدمة كبيرة لاسيما عندما وجدت بعض الشباب يعلق على هذا الفيديو بتأكيده على كلامها، وهؤلاء لم يكلفوا أنفسهم مراجعة التاريخ، وما كتبه قادة إسرائيل أنفسهم عن حرب أكتوبر والتى ستظل نصرًا عظيمًا رغم كيد هؤلاء الخونة الذين لم يقرأوا اعتراف الرئيس الأمريكى نيكسون فى كتابه «نصر بلا حرب»، حين قال «إن هزيمة إسرائيل فى 73 جعلتنى أؤمن بأن المواجهه العسكرية مخاطرة وأن التفوق فى التسليح لا يعنى ضمان النصر»، ولما عدت إلى أوراق لجنة اجرانات وجدت توصية مهمة أرجو أن ننتبه إليها جيدًا وهى أن التاريخ يجب أن يمحى من سجلاته هزيمة إسرائيل، وذلك لن يتم إلا بأمرين: الأول إشاعة أن المصريين لم يحققوا نصرًا، وأن المعركة انتهت بتفوق إسرائيل، والثانى هو تشويه كل من حارب فى أكتوبر من قادة الجيش المصرى، لكى يفقد مصدقيته، هنا فقط أدركت أن هؤلاء الخونة إنما يفعلون ذلك كتنفيذ لتوصية لجنة اجرانات.