نصر أكتوبر 73، ذلك النصر الذى قلب كل الموازين، وانهارت أمامه كافة الحسابات، بالورقة والقلم كان المستحيل ذاته أن ننتصر فى تلك الحرب ولكن كلمة السر هى الجندى المصرى خير أجناد الأرض، إرادتهم تتحدى المستحيل وتكسره وعزيمتهم تقهر كل الصعاب، وأعلنها صراحة ودون مواربة أو خجل، أنا عاشقة وسوف أظل حتى أوارى فى التراب وتصعد روحى لبارئها، أجل عاشقة، عاشقة مصر بكل ذرّة من كيانى، وكل نفس من أنفاسى، فى كل لمحة من لمحاتى، وبكل حرف من حروف اسمى، أنا عاشقة مصر، وازدادت المشاعر تأججًا، وكان السبب الأيام الماضية التى مرت علينا احتفالات نصر أكتوبر، وأعترف أن حب الوطن والإحساس بقيمته تضاعف أضعافا قد تكون كثرة المِحن وكل ما مررنا به مؤخرا والخوف عليه من الضياع والشعور بأنه مهدّد، بالإضافة إلى عام (أسود ملعون) من حكم إرهابى غاشم، حقا الإنسان لا يشعر بقيمة ما لديه إلا فى حالة فقدانه! جلست لأستمع لخطاب رئيس الجمهورية وأنا أفتخر بما أرى وأتابع الاحتفالات العسكرية، وبدنى يقشعر فرحة وسعادة، ولسانى يردد (الله أكبر عليكى يا مصر- الله حاميكى يا مصر- أنتى عظيمة يا مصر- ولادك رجالة وأبطال يا مصر) أجل (مصر كبيرة قوى).. هذه كلمة أبى الذى دائما يرددها على مسامعى، أجلس معه ويحكى لى قصصًا كثيرة ويخبرنى عن المشقة والصعاب أثناء خدمته فى القوات المسلحة، ورغم كل ذلك فولاؤه لمصر والجيش لا حدود له؛ فهو من غرس فىّ عشق تفاصيل الوطن، والغضب العنيف من أى شيء يمسه أو يؤذيه رجل بهيبته وجديته وصرامته، رأيت دموعه يوم فوز مرسى (لإدراكه ما نحن مقدمون عليه)ويوم رحيله (من شدّة فرحته)، ويوم أن أصبح السيسى رئيسًا (يوم عودة مصر للمصريين)، ودائما أبى يبث الطمأنينة فى قلبى قائلا: (لا تخافى أبدا فالله حافظ مصر وجيش مصر عظيم، إياكى والشك للحظة.. فالناس تحب الجيش وتثق فيه، ولكن لا تعرف قدراته الحقيقية بالصورة الكاملة، ومن خدم فيه وكان الجيش أسرته الأولى يدرك كلامى، اطمئنى هم خير أجناد الأرض حقا وصدقا ويقينا). فتجيء قصة البطل الذى تكلم عنها جندى إسرائيلى شاهد عيان يعمل حاليًا طبيبًا بمستشفى جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأمريكية، ويدعى آيرون بن شتاين، يروى واقعة الطيار أول شهيد فى حرب أكتوبر، قائلا: كان عمرى وقت الحرب عشرين عاما، وكنت مجندا بالقوات الجوية الإسرائيلية بمطار المليز فى سيناء، فى هذا اليوم كان أغلب الضباط والجنود فى إجازة عيد الغفران، ولم يكن بالمطار إلا حوالى 20 فردا، وفى الثانية والربع ظهرا فوجئنا بطائرتين من طراز (سوخوى) و(ميج) تهاجمان المطار، قام الطيار الأول بمهاجمة الممرات وحظائر الطائرات ودمرها تماما، أما الطيارالثانى (يقصد الشهيد عاطف السادات) فأخذ يهاجم صواريخ الدفاع الجوى فى المطار وكانت من طراز (سكاى هوك)، وكانت المسئولة عن حماية المطار الطيار الأول انسحب بعد أن أدى مهمته، أما الثانى فقد استمر فى مهاجمة الصواريخ فى دورته الثانية، ولكوننا مدربين على أكثر من طراز من الأسلحة، أطلقت أنا وزميلى النار من مدفع مضاد للطائرات، إلا أن هذا الطيار فاجأنا بمواجهتنا بطائرته وإطلاق الرصاص من مدفعه بقدرة مدهشة على المناورة فأصاب زميلى بإصابات بالغة بعد أن فشلنا فى إسقاطه، إلا أن زميلا آخر لى نجح فى إصابته بصاروخ محمول على الكتف فى دورته الثالثة، بعد أن دمر وشل المطار تماما، كما يقول شتاين فى روايته؛ فإنهم كجنود لم يكونوا على علم وقتها باندلاع الحرب، وكانت صدمتهم قوية عندما علموا أن قائد تلك الطائرة هو نفسه شقيق رئيس مصر، ويضيف: شعرنا لحظتها بمشاعر مختلفة وتخوفنا من انتقام مصر لمقتل شقيق الرئيس، خاصة فى ظل حالة الارتباك التى أصابت القيادة الإسرائيلية وقتها، وأذكر أنه عندما حضر الصليب الأحمر لتسلم جثمانه الذى كان قد احترق داخل الطائرة، قمنا بتأدية التحية العسكرية له احتراما لشجاعته، هذا هو المقاتل المصرى، وفى سؤال للرئيس السادات بمقابلة فى التليفزيون الكويتى عن احتمال الحرب مع إسرائيل عام 1975؟ يقول احتمالات الحرب واردة فى كل لحظة، وقواتنا المسلحة فى حال توقع مستمر، وإننا نعطى لعملية السلام كافة الإمكانيات لكى تنجح، لكن إذا ما اعتدت إسرائيل، فنحن جاهزين لذلك، وعليها أن تتحمل تبعة ما تلاقيه، ويكفى أننا سلمناهم الشهر الماضى فقط 39 جثة لهم من حرب أكتوبر عام 1973، ونتحدى إسرائيل أن تعلن عن قتلاها، ليس خلال الحرب كلها، ولكن نتحداهم إعلان قتلاهم فى الثغرة فقط..
إنهم عرسان السماء شهداء الأرض
إنهم خير أجناد الأرض
وتظل كلمة السر الجندى المصرى.