فى الوقت الذى يدور فيه الحديث عن تطوير التعليم وأهمية تطوير المناهج واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، وموضوع «التابلت» والمدارس اليابانية.. للأسف تم تجاهل المعلم الذى يعتبر حجر الزاوية والأساس للعملية التربوية.. ورغم الحديث والتصريحات الرسمية عن التدريب والاهتمام ما يخص المعلمين، فإن الأمر على أرض الواقع غير مرض ولا يتواكب مع التصريحات.
ولعل ذلك يذكرنا بالماضى حيث كان المعلم يطالب «بالإنصاف والعلاوة» والتى كان فيها إشارة غنائية من الفنانة «ليلى مراد»: «كلام غريب كلام معقول مقدرش أقول حاجة عنه».
كما جسدت أوضاع المعلم رواية «قصر الشوق» للكاتب نجيب محفوظ، حين سخر السيد أحمد عبدالجواد من ابنه الأصغر عندما أراد الالتحاق بمدرسة المعلمين العليا ليكون معلمًا، فقال له «عاوز تبقى خوجة.. دى شغلانة الغلابة.. عمرك شوفت خوجة عمل له تمثال».
فى الوقت الذى كان يروج فيه الشاعر أحمد شوقى أو كلماته الخالدة «قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا» الآن أصبح حجم المعلمين فى مصر يزيد على ٢ مليون معلم يعملون بالمدارس، بالإضافة إلى المحالين إلى المعاش ومسجلين فى نقابتهم.
وللأسف ما زالت المشاكل قائمة بل تزداد تعقيدًا.
• تجاهل تحسين الأوضاع المالية والاجتماعية للمعلمين رغم التصريحات الوزارية المتكررة.
• ما زالت مشاكل المعلمين الذين يعملون بعقود منذ سنوات.
• عدم الاهتمام بالتسويات الخاصة بالترقيات والأوضاع المالية.
• مشاكل الاغتراب الداخلى والخارجى للمعلمين.
• مشاكل التدريب التى أعلن عنها سواء فى الداخل أو فى البعثات التعليمية «ويشهد على ذلك بعثة من معلمات رياض الأطفال إلى إنجلترا».
وهذا ترك المعلمين فى بلادنا للإهمال دون الاهتمام الذى يليق بهم إنسانيا واجتماعيا.. ويكفى النظرة الموضوعية إلى أحوال ما يزيد على ٧٥ ٪ من المعلمين الذين يعملون فى المدارس الحكومية فى المراحل المختلفة من الابتدائى حتى معلمى التعليم الفنى العام.
وهناك فروق واسعة فى الأجور بين القطاع الحكومى والخاص والاستثمارى والأجنبى فى مصر ليس فى المرتبات فقط وحتى فى المزايا والخدمات.
وللأسف لم يكف وزير التعليم بالحديث المستمر عن أهمية المعلمين وتحسين أوضاعهم، وبدلا من أن يطالب بتطوير القانون والعملية التربوية وسد الثغرات والنواقص والأسباب الموضوعية التى تدفع المعلمين للعمل فى الدروس الخصوصية أو التوجه إلى قيادة السيارات الأجرة أو أعمال النقاشة والنجارة والدهانات من أجل تحسين أوضاعهم الأسرية والاجتماعية، نجد الحكومة تتحدث عن تجريم أعمال المعلمين وللأسف ما زالت أوضاع المعلمين من قبل الحكومة جامدة دون حلول تساعد على تطور التعليم.
أما عن الجانب النقابى للمعلمين فإن نقابة المهن التعليمية التى تم إنشاؤها بكفاح المعلمين من أجل مطالبهم بالإنصاف وتحسين أوضاعهم الاجتماعية فى الخمسينيات برغم وجود قانون النقابة رقم ٧٩ لسنة ١٩٦٩ والذى مرت عليه ٥٠ عاما أى نصف قرن والذى يحتوي الكثير من العوار والنواقص وعدم التطوير بالرغم من أن العام القادم سوف يكون هناك احتفال بمرور ٥٠ عامًا على إنشاء النقابة باليوبيل الذهبى.
وطوال تلك المدة ونقابة المعلمين فى سبات عميق لا يسمع عنها أى صوت اجتماعى أو إنسانى أو مهنى مؤثر فهى النقابة التى لا وجود لها بين النقابات المهنية الأخرى مثل «المحامين - الصحفيين – التجاريين – المهندسين» وغيره من النقابات المهنية التى لها صوت فى القضايا الوطنية والاجتماعية، ويكفى أن المعلمين لا يشاركون فى أى حوار حتى فيما يخص عمليات تطوير السياسات الجديدة للتعليم.
وهنا يكفى الإشارة أخيرا إلى حد سيطرة الإخوان وعناصر الإرهاب على النقابة وأموال المعلمين التى صرفت فى تجمعات واعتصامات رابعة، والأعمال الإرهابية ضد الوطن، ولا يعرف حتى الآن حجم أموال المعلمين التى سرقت لغياب الإفصاح والشفافية.
وبالرغم من أن النقابة تستثمر أموال المعلمين فى أشكال متعددة من الاستثمارات منها فى شكل أسهم وودائع ثابتة فى عدد من البنوك منها الأهلى ومصر، وعدد من الفروع من البنوك الوطنية، بالإضافة إلى مساهمة النقابة فى بنك التجارة والتنمية، والعديد من المشروعات والشركات الكبرى، منها الشركة الوطنية لإسكان النقابات المهنية وشركة «بسكو مصر – الحديد والصلب – الإسلامية والتجارة والطباعة والنشر – الاقتصادية لتنمية الخدمات السياحية والاقتصادية للتنمية الغذائية».
ويضاف إلى ذلك أن موارد النقابة من الاشتراكات والكارنيهات ورسوم العضوية وإيرادات شواطئ رأس البر – المنتزه – شواطئ نادى النقابة وصالات الأفراح – وإيرادات فندق البرج الذى تم تأجيره بأبخس الأثمان ولمدة طويلة، بالإضافة إلى بيع طوابع النقابة على جميع الشهادات الدراسية وتفرض على جميع الطلاب فى مصر، وحتى المعلمين المعارين للخارج، ومؤلفات الكتب المدرسية والتعليمية وغيرها من إيرادات مستشفى المعلمين الذى تم تأجيره للقطاع الخاص مع وجود ١٠ مستشفيات بالمحافظات.
كل تلك الإيرادات ولا توجد شفافية فى عرض الميزانية أو الموازنة وللأسف لا يعرف المعلمون فى طول البلاد وعرضها أين وكيف تصرف أموالهم وما زالت النقابة يديرها مجلس مؤقت يسير الأعمال منذ ما بعد ثورة يناير ٢٠١١ وحتى الآن، النقابة تدار بلا انتخابات ديمقراطية حيث ضرب بالأحكام القضائية عرض الحائط.
يحدث ذلك والمعلمون فى بلادنا بين فكى النقابة والحكومة.. ويا قلبى لا تحزن.
وبعد الأمر خطير ويحتاج وقفة موضوعية من لجنة التعليم فى مجلس النواب من أجل إخراج تشريعات مقبولة وعادلة من أجل النهوض بالتعليم فى مصر من كافة الزوايا، وليس فقط للنظر إلى قضية تجريم الأعمال خارج الفصول الدراسية، ما أحوجنا إلى قانون متطور عادل والنظر بجدية إلى أوضاع المعلمين والتعليم فى بلادنا التى نريدها الأفضل بإذن الله.