قلنا إن الفكر الدينى غير الخطاب الديني. فالفكر الدينى هو فكر ورؤية وتفسير واجتهاد البشر فى التعامل مع النص الديني. ولأن البشر فكر وتفسير واجتهاد وثقافة وانتماء جغرافيًا ومسيرة تاريخية هم مسار تباين وتعدد ثقافى ولذا وجدنا هذا الخلاف والاختلاف فى هذه التفاسير وفى تلك الاجتهادات وعليه وجدنا تعدد الفرق وتناقض الطوائف، وهذا ليس على المستوى الفكرى وحسب ولكن وصل هذا الخلاف إلى درجة المواجهات الحربية التى يريد فيها كل طرف أن يصفى الآخر جسديًا. فبالرغم من وحدانية النص الدينى نجد ذلك الصراع بين أبناء الدين الواحد. تصورًا من كل فريق وكل طائفة أنهم يملكون الحق المطلق والرأى الأصح والاجتهاد الأصوب. والأهم أن كل منهم يدعى كذبًا أنه بفكره وتفسيره هذا فى مواجهة الآخر آنه يدافع عن الدين من هؤلاء الكفرة الذين بفكرهم الآخر يهدمون الدين، ويمثلون أكبر الخطر عليه. كما أن قضية الفكر الدينى لا تقتصر على الفكر الدينى الإسلامى فقط، لكن هذا التجديد لا بد أن يشمل الفكر الدينى بشكل عام. سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا. فالدين هو الدين مهما كان اسمه بالنسبة لمعتنقينه فهو نفس التمسك وذات الاقتناع ونفس الرؤية والتصور أن كل منهم هو من يمتلك الحقيقة المطلقة. وكل منهم هو الفائز بالسماء والجنة، أما الآخر فهو فى جهنم وبئس المصير. فاليهود هم شعبالله المختار. والمسيحيون هم من يمتلك السماء «فمن لا يعتمد بالماء والروح لن يعاينوا ملكون السموات» والمسلمون هم خير أمة أخرجت للناس. هنا لا خلاف على أن يؤمن وعتقد كل واحد بصحيح دينه وإلا ما كان منتبأ لهذا الدين. بل من حق المؤمن الطبيعى أن يؤمن بصحيح وحقيقة دينه وإلا كان يؤمن بالدين الآخر. ولكن الإشكالية هنا أن كل صاحب دين لا يعطى نفسه برهة من التفكير لكى يقتنع أيضًا أن الآخر الذى يؤمن بدين غير دينه هو أيضًا يؤمن بصحة دينه وحقيقة إيمانه. فالدين هو الدين والإنسان هو الإنسان مهم تعددت الأديان وتكاثرت العقائد. كما هو الأهم أن فكرة تجديد الفكر الدينى سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا يصب فى صالح الدين وصالح الوطن. صالح الدين. فعندما نصحح أفكارنا، ونقبل الآخر فهذا يتوافق ويتطابق مع المقاصد العليا للدين أى دين. أما صالح الوطن. فالوطن هو كل أبنائه مهما كانت أديانهم أو ألوانهم أو عقائدهم. فحب الوطن والانتماء إليه لا يحدده الانتماء إلى دين بذاته عن الأديان الأخري. فالدين هو علاقة بين الإنسان وبين الله سواء كان هذا الإنسان مسلمًا أو مسيحيًا، أما الوطن فهو للجميع. كما أن خطورة وأهمية تصحيح وتجديد الفكر الدينى هنا وهناك حيث أن المشكلة ليست فى النص الديني. فكلنا نحفظ القرآن ونعلم الإنجيل. ولكن المشكلة فى هذا الفكر الدينى الذى يفسر النص، كما يريد ومن خلال خلفية لا تخلو من مصالح شخصية وذاتية وجماعية لا علاقة لها بالدين ولكنها تستغل الدين لصحل هذه المصالح. ولذلك نرى أن تأثر المسلم والمسيحى ليس بالنص بقدر التأثر بهذا الفكر الدينى الذى يشكل نوع وطريقة وتفسير هذا النص. فإذا كان الفكر الدينى هنا وهناك لا يقبل الآخر. فالمسلم لا يقبل المسيحى والمسيحى لا يقبل المسلم. فماذا يكون حال الوطن وما تأثير ذلك على الانتماء والتوافق الوطني؟ وكيف يحقق وطن طموحاته وآماله فى ظل شعب واحد لا يقبل كل منهم الآخر؟ وإذا كان كل طرف يرفض الآخر ويعتبره كافرًا لا يؤمن بالأله الواحد. فهل الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان مطلق إنسان حتى يكون من خلصون ومن ينالون الجنة ويحصلون على السماء هم أبناء دين واحد دون كل الأديان؟ وما ذنب الآخر الذى يؤمن بالله ويعتقد بصحيح دينه مثل هذا الآخر الرافض؟ مع العلم أن كل طرف يتصور أنه يملك الحقيقة المطلقة دون سواه. فى الوقت الذى أراد فيه الله هذه التعددية الدينية لحكمة يراها، وفى صالح الإنسان لأن الله أحب الإنسان فخلقه وسخر له سائر المخلوقات. وأيضًا هو الله الذى أراد هذه الأديان ليس الأديان السماوية ولكن الأديان الوضيعة بل أعطى الحرية لهذا الإنسان أن يعبد الله أو لا يعبده. والتعددية الديانية هذه ظهرت فى جميع النصوص الدينية، وهذا دليل على وحدانية العقيدة والإيمان بالله الواحد على تعدد طريقة العبادة واختلاف طقوسها. «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا» «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» «لقد أرسلنا لكل أمة رسولًا» «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» أما الأهم فهل إذا كنت تؤمن بصحيح دينك فما الوصاية التى تملكها حتى تحاسب الآخر المختلف معك دينيًا؟ «أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى، والذين أشركوا أن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد». والجنة والسماء ليست محجورة لدين بالذات. «ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يفعل شرًا يجزى به ولا يجد من دون الله وليًا ولا نصيرًا» يقول الإنجيل «من ليس لهم ناموس فهم ناموس لأنفسهم» كما أكد الإنجيل على أن الدين هو رعاية الفقراء والأيتام والعمل الصالح. على ذلك كيف لا يقبل الإنسان أخيه الإنسان ولو كان مختلفًا معه فى الدين أو الفكر أو التوجه أو الرأي؟ وهل يصل حد رفض الآخر حتى نجد ذلك الإرهاب المتلفح بالدين زورًا وبهتانًا والذى يتخلص جديًا من الآخر برغم الحفاظ على الدين. فى الوقت الذى يا يحتاج فيه الدين أن يحافظ عليه أحد. فالحافظ للدين هو الله الذى أراد بذلك «إنما ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» الله هو الحب والدين والإيمان به هو حب لله وفى الله والوطن يحتاج لكل الحب. فليؤمن كل منا بدينه تمسكًا وعملًا ولنحب بعضنا بعضًا ونقبل الآخر الدينى والسياسى والاقتصادي.. إلخ حتى نحقق مقاصد الدين ونصل إلى توافق وطني. حمى الله مصر وشعبها العظيم.
آراء حرة
تجديد الفكر الديني وادعاء الحقيقة المطلقة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق