انتفض عدد من الكتاب والصحفيين غضبا ضد التسريبات التي يبثها الزميل «عبدالرحيم علي» في برنامجه "الصندوق الأسود" على فضائية "القاهرة والناس"، وتركوا مضمون تلك التسريبات كي يطالبوا بالتحقيق في كيفية تسريبها.
ومع أنني مع حق كل فرد في التعبير بحرية كاملة عن رأيه،
وأرفض أن تفرغ الدولة أجهزة بعينها للتنصت على حياة المواطنين، وأذهلتني جرأة وزير
الداخلية الأسبق حبيب العادلي حين اعترف في حديث تليفزيونين قبل شهور قليلة من
ثورة 25 يناير، أن أجهزة الأمن تتنصت على المكالمات التليفونية قائلا: إن من يخاف
من ذلك هم من يرتكبون الجرائم وحدهم، ومن يخشى شيئاً فلا يتحدث في الهواتف، إلا أن
دهشتي كانت أكثر لأن الناقدين للبرنامج، حصروا نقدهم في مدى جواز بث تلك
التسريبات، ولم يتوقف أحد منهم منزعجا أو متحفظا، ما كشفته من جرائم تم ارتكابها
في حق الدولة المصرية، وفي حق أجهزة أمنها، وعلى وجه الخصوص منها «مباحث أمن الدولة» التي ركزت معظم نشاطها طوال العقود الماضية على متابعة
الأنشطة الإرهابية للجماعات التي تتخفى خلف الدين وترفع رايات إسلامية، وعلى جماعة
الإخوان وأعوانها، والتي تواصل إرهابها واجرامها ضد الدولة المصرية منذ العهد
الملكي وحتى الآن ولم تستطع رغم ذلك أن تحقق أي انتصار عليها.
لم يقل لنا أحد من الناقدين هل اقتحام نشطاء سياسيين
لمقار مباحث أمن الدولة والاستيلاء على ملفاتها وحرق مبانيها، عمل قانوني أم هو
عمل ثوري؟ وهل الأموال الطائلة التي تتدفق على أنشطتهم كما كشفت التسريبات، تأتي
من أعمال مشروعة أم من أعمال محظورة ومجرمة؟ وهل السفر الدائم لهؤلاء النشطاء على
مدار الشهر للدول الأوروبية والولايات المتحدة الامريكية بزعم إلقاء محاضرات،
وبعضهم لم يقرأ كتابا واحدا في حياته عمل منطقي أم تعمية على انشطة مجهولة
واسترزاق؟
في أحد البرامج التليفزيونية، اعترف أحد النشطاء
المحبوسين الآن بتهمة مخالفة قانون التظاهر بفخر، أنه هو من قام بإحراق المجمع
العلمي في أحداث «محمد محمود» الأولى.
المشترك بين كل هؤلاء النشطاء هي الدعوات الفوضوية التي
يسوقها خطابهم السياسي الداعي لإسقاط الدولة المصرية تماما، كما يطلب الإخوان وكما
فعلوا أثناء حكمهم البغيض، وكما يفعلون الآن بالشعار الوهمي الذي يرفعونه «يسقط حكم العسكر»، ويردده خلفهم هؤلاء النشطاء.
المشترك بينهم وبين الناقدين لتسريبات «عبدالرحيم» هو أنهم يدورون في فلك الدكتور محمد البرادعي، دون أن
يمن الله على أحد منهم بكلمة «عتاب» له على الدور الذي يقوم به في الخارج لتحريض المنظمات
الدولية التي يحتفظ بصلات وثيقة بها ضد الدولة المصرية.
يذكرني نقد التسريبات التي يذيعها «عبدالرحيم» بالنكتة المصرية الشهيرة التي تروي عن جار ذهب إلى جاره
الذي يجلس على المقهى قائلا له: «إلحق مراتك ماشية في الشارع مع واحد صاحبك، فأخذ الزوج
يركض ليتأكد من الواقعة، وعاد وهو يلهث ويضع يديه على قلبه قائلاً: باطمئنان: يا
راجل خضتني، دا طلع لا صاحبي ولا حاجة، تغاضى الزوج عن خيانة زوجته، فلماذا نتغاضى
نحن عمن يعبثون بأمن وطننا؟
لقد تقدم «عبدالرحيم علي» ببلاغ للنائب العام بما يحمله من تسريبات، وتم التحقيق معه على مدار 6
ساعات وعلى المعارضين لبثها أن يجيبوا عن تساؤل أين حق المجتمع فيما كشفت عنه من
جرائم، وهل هي جرائم، أم هي كما تقول النكتة "دا طلع لا صاحبي ولا حاجة!"