تتهاوى في الأيام الأخيرة معلومات متفجرة لعلها كاشفة أو فاضحة لكثير مما خفى عنا من متاهات المعلومات الخافية عن ثورة 25 يناير وما قبلها وما بعدها، أقول تفجرت في الأيام الأخيرة معلومات تتضمن تسجيلات صوتية مخجلة ومثيرة للدهشة في بجاحتها وفي طبيعة المغموسين فيها أو بالدقة الملوثين بها، والذين ارتدوا ثياب الفرسان ثم تكشّف الأمر عن كونهم مجرد عرائس ماريونيت تُحركها أصابع أجنبية ومحلية، وتستخدمها لإجهاض الفعل الثوري الحقيقي، وإدخال مصر في حمى لا مخرج منها، وندهش كيف يحاولون سبك مسرحية هي جوهرها هزلية محاولين الظهور بمظهر الثوار.
وما قدمته هذه التسجيلات يكشف لنا مغزى ومعنى ما حدث في
أيام الغليان، وكيف تصدر فتية وفتيات المشهد؟ وسطعت عليهم وعن عمد أضواء فضائيات هي
أيضا مثلهم، وندهش كيف امتلك هؤلاء الفتية جسارة إحراق المجمع العلمي مدعين
الثورية؟ وكيف أشعلوا نيرانا أخرى مدعين أنها إيقاظ للثورة «الحقيقية»؟ وكانت هناك ثورة حقيقية وثورة زائفة، فالثورة هي فعل
جماهيري يستهدف الخلاص من القوى المعادية للوطن والشعب سواء في الخارج أو في
الداخل، وندهش كيف لم يهتز جفن لهؤلاء الفتية عندما تسرب عبر ويكليكس الأرقام التي
تلقوها من الخارج مقابل أفعالهم «الثورية» المدعاة، ولعل
البعض منهم كان يسأل في بورصة الثورة الزائفة.. «الثورة النهاردة بكام؟».
لم يهتز لهم جفن عندما نشرت الأرقام واكتشف الثوار
الفقراء والمخلصون وأسر الشهداء أن المزايدين كانوا مرد أجراء وربما موظفين برواتب ثابتة وكبيرة.. ولكن عندما لعلعت أصواتهم عبر التسجيلات تراخت عزيمتهم الثورية
بحثا عن سند ليس لإثبات أن هذا لم يحدث ولا لإثبات أنهم لم يتلقوا أموالا باهظة
ثمنا لثورية مدعاة وإنما للتحصن بحق صيانة مكالماتهم التليفونية باعتبارها حقا
أصيلا من حقوق الإنسان، ووقع المجلس القومي لحقوق الإنسان ربما راضيا لأسباب غير
معلنة، وغير مفهومة في الفخ فأصدر بيانا ساخنا لا يدين اللص وإنما يدين المسروق،
ولا يدين الفعل المؤثم، لا يدين من يستحقون الإدانة وإنما يدين الإفصاح عن تسجيلات
دون أن يتأكد عن مدى قانونية ما تمت تسجيله، ودون أن يغضب ولو بأقل قدر لما تمت
إذاعته من تسجيلات وتسريبات ضد الفريق السيسي وحتى ضد مرسي فالقانون هو القانون،
المهم تبدى المجلس القومي لحقوق الإنسان مدافعا عن طرف بذاته، لحكمة ما بذاتها وهو
ما نأباه للمجلس الذي تقوده مجموعة محترمة ولم يكن من الجائز أن تزج بنفسها في هذا
الأتون المضطرب، وإلا فإنه يكون تهاونا في التعامل مع عديد من التسريبات التي
استخدمها الإخوان ضد السيسي أو حتى التسجيلات الخاصة بمرسي مع عدم قانونية تسجيل
مكالمات من قبيل أنه رئيس الجمهورية.
المهم كنت أتمنى ألا يزج المجلس كامل الاحترام بنفسه في
هذه المسألة منذ يومها الأول، وأن يدين تلصص الإخوان علينا جميعا، وأن يدين تلصصهم
على الفريق السيسي، وأن كل خرق لحقوق الإنسان أي إنسان.. حتى لا يكون تدخل اليوم
مصابا بالغرض، والغرض كما يقولون مرض.