الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الولاء والهوية الوطنية.. العملة ذات الوجهين للفكر التنموي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تثيــر دراسـة الفـكـر الـتـنمـوي وعلاقته بالولاء والهوية الوطنية بعــض الـتســاؤلات، مـنهـا هـــل يوجد علاقة وثيقة بين تجديد الفكر التنموى والولاء والهوية الوطنية؟ أم هنالك علاقة بين الإنسان والفكر التنموي كصانع للتنمية؟ فى الواقع أن دراسة الفكر التنموى تشمـل الاثنيـن معًــا، وفى إطار ذلك فإننا نبدأ فى التعرف على بعض المصطلحات التى يـخـلط البعـض فيها والتى أرى من وجهــة نظـرى أنهـا أحـد المقــومات الأساسية لنجاح العمليــة التنمـويــة؛ لــذا وجـب أن نركــز علـى أهـم الفــروق الجـوهـريــة بين كل من (الانتمــاء) و(الولاء) و(الهوية الوطنية) و(الاندماج الوطني) كصفات محورية لصانع التنمية والفكر التنموى وهو (الإنسان)، حيث يعتبر هو العامل والمشترك الرئيسى للتنمية والذى يتمثل فى شقين رئيسيين هما (الغاية والوسيلة للتنمية) بمعنى آخر (أن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها) فى ذات الوقت كونه العملة ذات الوجهين للتنمية، ويعتبر الولاء والهوية الوطنية هى (ذات العملة) للفرد داخل المجتمع، وإن كان الإنسان هو (صانع التنمية) فإن أهم مقومات نجاح التنمية هى الولاء والهوية الوطنية كأحد أهم الصفات التى تميز المواطن داخل المجتمعات وصولاَ لفكر تنموي نابع من سواعد وطنية.
1 - (الانتمـاء)
الانتمـاء يعنى فى معجم اللغة بالانْضمام والانتِساب إلى مجموعة والانْخِراط في فصيل أو حزب أو عائلة أو نادى رياضى.... إلخ بمعنى الانتِساب لعناصر البيئة المحيطة بالأفراد، حيث يشعر الفرد دائما بأنه بحاجة إلى الارتباط مع مجموعة يلتمس منها المساعدة فالطفل كعضو في أسرة يبدأ بالشعور بأنـه ينتمي إليها، وهذه الحاجة تنمو مع الطفل منذ شهوره الأولى، وبعد ذلك قد تتاح لديه فرصة التعرف والاحتكاك بأطفال آخرين فـي المجتمـع الذي يعيش فيه أو في مدرسته وشيئا فشيء تتوسع دائرة انتماءاته وتزداد حاجته للانتماء إلى مجموعات أخرى أوسع فى حياته، حيث إن الانتماء ليس مصطلحا يستخدم في الأغراض السياسية فقط ولكنه مفهوم فلسفي متحرك يمكن إدراكه في ضوء العديد من العمليات والمتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية فى المجتمع والمراحل المختلفة للفرد في الإطار الاجتماعي بذاته فيكون الفرد جزءا من المجموعات التي يشترك فيها حيث إن الفرد لا يمكن أن يكون منعزلا وبعيدا عن الانتماءات الشخصية كالحزبية أو الفكرية أو الدينية أو الإجتماعية فأنا اعتبر الانتماء حرية بالفطره وسلوك فردي.
2 - (الــولاء)
الولاء كلمة جامعة، حيث يعتبر الولاء جزءا من الهوية الوطنية، وفى معجم اللغة هو الوفاء والإخلاص والمُناصرة والالتزام، وهو أشمل وأعم من الانتماء حيث يعتبر الولاء المدخل الصحيح للهوية الوطنية نظرًا لأنها وحدة من المشاعر الداخلية التي تتمثل في الشعور بالاستمرارية والتمايز، والتكاملية وهذا يعني أن الهوية هي وحدة من العناصر المادية والنفسية المتكاملة التي تجعل الشخص يتمايز عما سواه ويشعر بوحدته فعندما تتعارض الانتماءات مع الولاء فلا مجال للانتماءات بمعنى (ألا يعلو ولاء فوق ولاء الوطن)، حيث يعتبر الولاء من أهم مؤشرات تكامل المجتمعات.
3 - (الهوية الوطنية)
الهــوية هى دليل على الوجود ففى المعنى الفلسفى الأرسطى تعني (الوجود)، وجوهر الإلتزام وفى معجم الوجيز تعنى (الذات)، حيث يقوم مصطلح الهوية على التشابه ووحدة وديمومة واستمرار الخصائص الأساسية للفرد أو مجموعة أفراد حيث أنها تتضمن وعيًا بالذات والمصير الواحد كما تعبر عن الشعور بالولاء الجماعى وتعبيرا عن المحدد الرئيسى فى التمييــز بين (نحن) و(أنا) بل هى الأداء الرئيسية للتصنيف الوطنى فهوية الشيء تعنى (ماهيته وحقيقته المعبرة).
فالهوية الوطنية هي مجموعة من القيم والأخلاق التي تنعكس أفعالها فى تعزيز استقرار الوطن والهوية الوطنية (لا تتجزأ ) بمعنى أن الهوية لن تكون انعكاسًا لتصور فئة ما دون غيرها وهذا يجعلها هوية وطنية بحق وليست تعبيرًا عن موقف سياسي أو إيديولوجي ضيق وليست تعبيرًا عن هوية فرعية كتلك ذات الأصول الإثنية أو الدينية أو الاجتماعية الفئوية أو غيرها فالهويات الجزئية في تركيب الشعب الواحد أو الأمـة الـواحـدة قـد تنــازع الهـوية الوطنيـة ولكـن حتى وإن سـادت لفتـرة لا تـرقــى إلـى مستـوى الهـويـة الوطنية.
حيث يبـدأ طـريـق الهـوية الـوطنيـة السليـم ( بتـربيــة الـنَـشْء ) تـربيــة قـويمـة أسـاسهـا قيــم الــولاء والـوفـاء والإخلاص والمُناصرة والالتزام حيث إن لكل أمّــة خصائص وسمات تتميــز بهــا وتتــرجــم روح الولاء لـدى أبنـائهـا ولها أهميتهــا في رفـع شــأن الأمــم وتقـدمها وازدهـارهـا وبـدونهـا تفقــد الأمــم كـل معـانـي وجـودهـا واستقـرارهـا بـل يستــوى وجـودهـا من عـدمـه وهناك عناصر للهـوية الوطنيّـة لا بـد مـن توفرها وقد يختلف بعضها من أمّــة لأخرى هـى المـوقـع الجغرافي والأرض الواحدة والتاريخ المشترك الذي يربط من يشتركون في الهوية الوطنية الـواحـدة الذى يمثل الأحــداث التي مـرت بآبائهـم وأجـدادهـم وأجـداد أجـدادهـم وكذلك الإقتصاد والعلــم الواحد وهو الرمز المعنويّ الذي يجمع كل أبناء الشعب الـواحـد والقضيّة الواحدة والولاء للوطن والحقوق المشتركة والواجبات.
4 - ( الاندماج الوطني)
يعـرف على أنه تلك العملية التى يتم من خلالها تعزيز الــولاء الوطنى للدولة سواء بالإغـراء أو بالإكـراه ليعلــو على كـافـة الانتمـاءات والـولاءات الفـرعيـة دون الـوطنيـة فى المجتمع بمعنى أنها العملية التى يتم من خلالها (التوافق المجتمعى بين جميع أطياف المجتمع)، وذلك لعدم الوصول إلى تلاشى مفهـوم الــولاء الوطنى داخل المجتمع ومن ثم الوصول إلى مشكلة عدم الاندماج الوطنى وهى تلك المشكلة التى تعبر عن أزمة علاقة أفقية داخل المجتمع من خلال التعددية الثقافية والدينية والإثنية حيث نجد أفراد المجتمع وجمـاعـاتـه ليســوا على استعـداد للتعـامـل (سـويـًا كشركاء متسـاوييـن) ومن ثم قد يتلاشى مفهــوم الـــولاء الـوطنى. 
وأخيــرًا: كملخص على أهميـة المفـاهيــم السـابقـة ذات الأثــر المبـاشــر والإيجــابى فى تجــديـد الفكــر التنمــوي تتلخص فـى أن تحقيــق التنميــة الحقيقيـة لجميع المستويــات التنموية لا تــأتــى إلا من خلال الفكـر التنموى النابع من وحي المجتمعات والمرتكزة على ركائز محورية هـى (الـولاء والهوية الوطنية) لجميــع أطيـاف المجتمع مـن خــلال الاعتمــاد علــى (سـواعـد وطنيــة) ذات كفــاءة وخبـرة، وذلك لخلــق نماذج تنمــوية وطنية صالحة لتلبيــة الاحتياجات وقادرة على الاستمرارية.