دائما ما أفخر بهم، تلاميذى الذين يصابون بالصدمة فى أول تعارف بينى وبينهم، لأننى أدرس لهم مادة العلوم،التى اعتادوا طريقة تلقيها بين الفصل والمعمل بتفاصيلها من سبورة وأنابيب اختبار ولوحات ومجسمات فيكتشفون أنهم يلعبون، يقصون ويلصقون ويقدمون أبحاثا تخص المادة وربما تخص غيرها وأحيانا يغنون كلمات تسهل عليهم مهمة حفظ ثقيلة، دائما ما تكون هناك مفاجآت، دائما ما تكون هناك حوارات، دائما ما يكون هناك ربط بما يدور من حولهم من أحداث تاريخية، أو سلوكية، ودائما دائما هناك تحفيز على الاجتهاد والرفق بالأسرة والانتماء للوطن، دقيقة من الدعم النفسى لن تؤثر فى الدرس، دقيقة من النظام غير المتعنت.وحرصى طوال الوقت على تذكيرهم بـأن المدرسة تكمل دور البيت وأننا نتعاون معا فى بناء إنسان متكامل، سيحمل أمانة الوطن بعد سنوات. وأن كلا منهم يمكن أن يكون بطلا فى مكانه فليس الطيار بأفضل من الخباز ولا الطبيب بأفضل من الفلاح ولا المهندس بأفضل من بائع الخضروات فى السوق. سنكون جميعا أبطالا حينما نكون مخلصين، ومحبين لما نقوم به من عمل مهما استصغرناه، لأن المجتمع، كله يشبه الألة الكبيرة ونحن تروسها وترس صغير قد يوقف آلة كبيرة، وأن السر هو أن يدور كل منا فى الاتجاه الذى يجعل الآلة تعمل بكامل طاقتها لبناء الوطن والحفاظ عليه. من هنا كان الاهتمام أيضا بمواهبهم بالرسم والشعر والقصة والموسيقى، وتوجيههم فى فترة الفسحة حين ينتهى دور المدرسة ويبدأ دور المعلمة الأم التى تحرص على الاهتمام بكل أولادها، من هنا كان على أن أكتب إليهم وكل من فى مثل عمرهم من التلاميذ أن نجاحكم فى المواد الدراسية هو جزء من نجاحكم فى الحياة ومؤدٍ إليه. لكن النجاح الحقيقى يكمن فى بناء الإنسان الواعى والمثقف والمحب لغيره والمواكب لما يدور حوله فى العالم حتى من مصطلحات جديدة تتردد على سمعه هنا وهناك، تطارده ويصعب عليه فهمها كمصطلح التنمية المستدامة، ولذا أقول لهم وببساطة: إن ما نقوم به من ترتيب لكراسى المعمل والمكتبة بعد أن ننتهى يجعلنا نحافظ عليه لتلاميذ قادمين هو تنمية مستدامة وأننا حين نحافظ على الكتب التى نستعيرها من المكتبة يجعلنا لا نشترى كتبا جديدة، وبذلك نوفر نقودا لمدرستنا يمكن أن تستثمر فى شىء آخر يجعلها أفضل ويعود علينا نحن أيضا بالنفع هو تنمية مستدامة. وهو نفسه ما يحدث حين نطفئ لمبات الكهرباء أثناء النهار فنوفر فى الطاقة ونوفر ثمنها، هو تنمية مستدامة وأننا حين نحافظ على المياه فى البيت والمدرسة وكل مكان هو تنمية مستدامة، وأننا حين لا نقوم بحرق القمامة وقش الأرز فإننا نحافظ على البيئة ولا نزيد من درجة حرارة الأرض بتأثير غاز ثانى أكسيد الكربون، فهو تنمية مستدامة، وأننى لم أجد لها تعريفا أبسط من تعريف العالم المصرى الدكتور هانى سويلم حينما قال: إنها هى التنمية التى تنهض بالمجتمع وتوفر له حياة كريمة بدون التأثير السلبى على الأجيال المقبلة وتوفر لهم الحق نفسه فى حياة كريمة أيضا، وأنها تقوم على ثلاثة أعمدة الأول هو الإنسان والثاني هو الاقتصاد والثالث هو البيئة، أى علم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلوم البيئة، وبدون تنمية إنسان قادر على العطاء صحيح جسديا متعلما ومواكبا للغة عصره من ثورة اتصالات وتكنولوجيا لن تكون هناك تنمية، من هنا يكون علينا أن نعيش حياتنا ونحفظ للجيل القادم أيضا حقه فى الحياة بأن نحافظ له على البيئة ونحرص على الإنتاج ونعيش دائما فى سلام ومحبة، من هنا وجب أن أحيى تلاميذى الرجال الصغار كما يحلو لى أن أصفهم، وأشكر لهم لوحاتهم ولافتاتهم التى تناهض الإرهاب أشكر لهم أبحاثهم وفخرهم بانتصار أكتوبر بخط أيديهم ودخولهم إلى المكتبة، وترتيبهم لمعملهم وفصلهم، وأقول لهم أنكم الأهم والأغلى لأننا سنكبر ونشيخ. وأنتم أنتم من ستحملون أمانة هذا الوطن.
آراء حرة
التنمية المستدامة وتلاميذي في المدرسة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق