متى يستثمر العرب «تسونامي» 2013؟
المشهد الذى زين شوارع مصر 30 يونيو 2013 لم يكن مقصورا على مدة زمنية محددة، ولا توقف عند حدود مصر الجغرافية.. إذ لا يمكن قراءة أهمية الدور المصرى بعد هذا التاريخ بمعزل عن التوقعات القاسية والخيارات المرة التى أصبحت تتوالى على المنطقة العربية، حيث اكتسبت عودة مصر إلى مركز التأثير العربى مساحة وحرية أكبر في التحرك باستقلالية نحو الوصول إلى حلول متوازنة للتهدئة سواء على صعيد الوضع الأمنى المتردى فى بعض الدول أو حروب الصفقات والضغوط السياسية التى تُمارَس على دول أخرى.
المقولة العربية القديمة «الدين طير حر.. من صاده قنص به» غلبت على حسن البنا وهو يضع مخطط جماعته منذ 50 عاما، التكوين.. التمكين..جنى الثمار، حتى غيبت عن نهمه المفرط للسلطة حقيقة تنسف هذه الخلطة المسمومة كنتيجة بديهية لفشلها فى جميع التجارب عبر عصور التاريخ.. منذ أول توظيف سياسى للدين.. مشهد رفع المصاحف طلبا للتحكيم فى الصراع بين على ومعاوية، سبقها فى أوروبا توحش محاكم التفتيش التى أنشأتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية خلال القرنين 15 و16، التى استخدمت أشد وسائل التعذيب ضد المسلمين واليهود الذين رفضوا الالتحاق بالمسيحية.. من وحيها ظهرت فيما بعد جماعات مثل «كهنة فينس»، «جيش الرب،» «كوكلاكس كلان» ومحاولات فاشلة غيرها لم تنجح فى ضمان استمرار سلطتها السياسية، الأمر يبدو مختلفا مع التيارات الصهيونية المتطرفة منذ تأسيس الحاخام إبراهام بن إسحاق كوك أول مدرسة صهيونية «مركازهراف» التى تخرج منها قادة الحركات المتطرفة مثل «جماعة المزراحى» «أمناء الهيكل» «حركة كاخ».. إذ ما زال التطرف يملك مساحة لا يستهان بها للتأثير على مسار الحياة السياسية فى إسرائيل.
الثورة التى أطاحت بالرئيس التونسى على زين العابدين عام 2011 استهلت النهج النمطى الذى سارت عليه تحركات شعبية ترفع مطالب التغيير تلت فى عدد من دول المنطقة.. حيث سارعت حركة النهضة الإسلامية إلى الهيمنة على مقاليد الحكم فى تونس. نجاح الإرادة المصرية عام 2013 فى كسر شوكة مصطلح أجوف هو «الإسلام السياسي» بشرت به أمريكا ودول الغرب، ثم بدأت منذ عام 2011 ممارسة مختلف أشكال التدخلات والضغوط لفرض رموزه على سلطة الحكم فى دول المنطقة بما يتسق مع مصالحهم حتى مكنت هذه التيارات من حكم بعض الدول، وكانت فى طريقها إلى حكم دول أخرى. نجاح استعادة مصر من براثن ميليشيا إخوان البنا لا يمكن فصله عن تصريحات راشد الغنوشي- رئيس حركة النهضة» التونسية- مؤخرا وهى أقرب ما تكون إلى نداء استغاثة لإنقاذ شمعة «الإسلام السياسي» اليتيمة فى تونس من خطر الانطفاء! وإقرار ضمنى بفشل سياسة حركة النهضة بعدما نسفت تجربتها فى الحكم كل الادعاءات السابقة حول النزعة إلى الحداثة والديمقراطية.. كل ما جنته تونس كان انتشارا سريعا للإرهاب، أزمة اقتصادية خانقة، محاولة اختراق المؤسسات الأمنية. ليبيا بدورها لم تسلم من تبعات الدمار والفوضى بعدما تحولت إلى «أرض موعودة» لكل الجماعات الارهابية، حيث تتمثل بارقة الأمل الوحيدة فى الجيش الليبى وضرباته الموجعة لها بالتنسيق الاستخبارى والأمنى مع الجيش المصرى كقضية أمن قومى تفرضها مساحة الحدود المشتركة بين الدولتين.
انطلاق الحراك السورى عام 2011 سرعان ما أصابه لعنة الإخوان وتنظيماته الإرهابية.. وضع الإخوان صقور جماعتهم فى سوريا كقادة لهذا الحراك، لتتوالى التبعات الكارثية من سيطرة الجماعات الإرهابية وإمدادها بالتسليح.. حتى أن محافظة أدلب عاشت طقوس إمارة إسلامية تمارس نسخة داعشية فى الحكم قبل بدء عمليات التحرير بدعم روسي.. حاليا يحتل ملف تحجيم دور «الإسلام السياسي» فى سوريا بندا رئيسيا فى كل الاجتماعات حول الأزمة السورية. فى المغرب تتصاعد الاحتجاجات على أداء حزب العدالة والتنمية الإسلامى الذى حاز على تصويت الشعب عامى 2015 و2016، حتى تآكلت شعبيته بعدما أصبح محاصرا بالانتقادات نتيجة سياسات القمع والترهيب لإخراس أصوات الاحتجاج على فشل الحزب فى إدارة أزمات المملكة.
حلم «الخلافة الإسلامية» لم يسقط فقط نتيجة تاريخ ممتد من الفشل باءت بها كل مغامرات ركوب الأديان لأغراض سياسية.. لكنه تحول إلى كابوس مفزع لكل هذه التيارات بعدما أعاد مشهد المصريين إلى الذاكرة العربية حقيقة مؤكدة عن فشل كل تجارب فرض سلطة دينية على الحياة السياسية اعتمادا على خدعة امتلاكها كل الحلول لأزمات الشعوب.
نجاح ثورة 30 يونيو لتبعث فى المنطقة موجات «تسونامي» هزت أركان التيارات الإسلامية فى العالم العربي، فى ظل ازدياد التحديات التى لم تعد تعنى حتى بإخفاء حقيقتها المشبوهة، قد يمثل فرصة نجاة إذا نجح الوعى العربى فى استثمارها للخروج من الأزمات الصعبة المفروضة عليه تحديدا فى إطار توقعات صعود الدور التركى وتعمق دور الحرس الثوري، وارتباطهما المباشر بمشروع استغلال الدين- مع اختلاف الطائفة- فى دول مثل اليمن والعراق.. كل ذلك على حساب محور الاعتدال العربي، مصر، السعودية، الإمارات، البحرين، الأردن. تخلص المنطقة من غوغائية الحالمين بالخلافة واعتمادها على سياسة دولية متوازنة يبدو وحده الطريق الآمن للعبور بحكمة من تحديات اتفقت الآراء على أن الأصعب منها ما زال لم يأتِ بعد.