رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الاحتكار.. جريمة كبرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعالت الأصوات صارخة فى الأسبوع الماضى لارتفاع سعر البطاطس، ولأن محصول البطاطس هو من الأغذية الرئيسية للبسطاء، كانت الصرخة مؤلمة حيث لا يليق التلاعب بأقوات الناس بهدف الربح المبالغ فيه، بعدها بأيام نرى صورة للأجهزة الرقابية وهى تصادر ثلاجة متخمة بالبطاطس، معنى هذا أن هناك حلقات كثيرة مفقودة لحماية الناس من جشع الاحتكار، سيخرج من يتكلمون عن أن ما تم ضبطه كان مجرد تقاوى للموسم المقبل، وسنسمع عن أخطاء التصدير وتجريف السوق المصرية لدرجة دعم المستهلك الأجنبى والتضييق على المواطن المصري.
كل هذا يشير إلى فوضى السوق، فالدولة التى تشكو صباح مساء من صعوبة تدبير المستلزمات الأساسية للمواطنين، ليس مطلوبًا منها الوصول بالملعقة إلى فم المواطن، ولكن دورها الأبرز والرئيسي، هو ضبط الأسواق والسيطرة دون مصادرة على حركة السلع من المنبع إلى المصب، فهناك أمور لا يصلح معها التهاون أو ترك الحبل على الغارب، فيزدهر الفاسد وتنتعش خزائنه بينما الغالبية العظمى من الناس تئن من وطأة الأسعار.
موضوع البطاطس العجيب يفتح الملف لاحتكارات كثيرة فى حياتنا، من أول احتكار السلعة وصولًا إلى احتكار الأفكار، ليجد المواطن نفسه ماشيًا فى ممر ضيق محاصرًا بأسوار من حديد.
أعلم تمام العلم أن التوجهات العامة للدولة تختلف عن الواقع الصعب الذى يعيشه الناس، نعم هناك إصرار على مطاردة الفساد ونقرأ يوميًا عن مرتش وعن محتكر وعن لص رخيص، وبالرغم من ذلك لم تنتظم حركة التداول اليومية فى مختلف المجالات، فالبطاطس مجرد عنوان يكشف عن ارتباك أكبر، وعلى سبيل المثال سألت واحدا من المزارعين عن انعكاس السعر المرتفع للمحصول عليه، كانت الإجابة مريرة، وهى أن تلك الأرباح أو السرقات لا علاقة له بها، ولكنها تعرف طريقها إلى الفهلوية التجار، وأضاف أن أرخص سلعة فى مصر هى عرق المنتج الحقيقي.
لذلك لا بد من التوقف طويلًا أمام تلك العبارة الدالة «أرخص سلع فى مصر هى عرق المنتج الحقيقي» فها هو عرق الفلاح الصارخ من ارتفاع أسعار الأسمدة وأجور العمالة وتكاليف الزراعة بشكل عام، ليجد نفسه فى النهاية مديونًا أو يغطى تكاليفه بالكاد، بينما يرتع أسوأ طبقة تكونت فى مصر وهم التجار فى نعيم المال الأسود، نفس حكاية المزارع تتكرر فى حكاية العامل المنتج، عمل مرهق وأجر محدود وخزائن عامرة بمقتاح فى يد صاحب العمل.
لسنا دعاة مصادرة أو تأميم، ولكننا دعاة إصلاح لذلك التشوه الفاضح فى حركة الأسواق، نتجه بطموحنا نحو العدالة الاجتماعية وهى صمام أمان واستقرار المجتمع، لذلك من الطبيعى أن تكون الأجور والأسعار مسألة أمن قومي، أعرف أن هذا ليس غائبًا عن ذهن مصر الجديدة، ولكن التحرك نحوه بطيء للغاية للدرجة التى لا يشعر بها ولا يراها المواطن ولا تنعكس عليه على تفاصيل يومه.
حماية المنافسة ومنع الاحتكار له قانون طويل عريض سهر عليه عالم الاقتصاد الزراعى المرحوم الدكتور أحمد جويلي، ولدى مصر عشرات العقول المضيئة التى تتجاور مع ما طرحه جويلى فى حياته، كل ما فى الأمر هو أن تمد الدولة يدها وتقرأ أبحاث ودراسات أبنائها المخلصين، أن تتجه الدولة إلى التخطيط العلمى لنقرأ عن حالنا كيف سيكون بعد سنوات، التحرك البطىء خطر جدًا، التجاهل مصيبة، الحلول غير العلمية كارثة، ليس دور الدولة أن تكون عسكرى إطفاء الحرائق، ترى أزمة فى كذا فتتدخل بقوتها، دور الدولة هو منع حدوث الكارثة أصلًا.
الحرب متعددة الاتجاهات التى تخوضها مصر تفرض على الجميع الانتباه إما ندخل إلى المستقبل بصفحات مبتكره، أو نواصل الشكوى والصراخ وهو الأمر الذى لا ينتج فى الواقع أى أثر للبناء.