رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نصائح روسو وتساؤلات الشباب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يعبأ الشباب بما جاء فى المقال السابق عن خبر فلاسفة الغرب وموقفهم من قضايا الشباب، وقد ظهر ذلك بوضوح فى تعليقاتهم وتغريداتهم على حساباتهم الإلكترونية فى الشبكة العنكبوتية، وقد رصد المؤلف تلك التعقيبات - المتوهمة - قبل أن يتحدث عن موقف جان جاك روسو حيال قضية كيفية تنشئة الشباب المستنير، فجاء فى تلك التعليقات: أن الشخصيات التى وردت فى المقال السابق، ليست هى وحدها التى حركت العالم الحداثى الغربي، فهناك غيرهم من الشباب المغمورين الذين فجروا الثورات وأيقظوا العقول، غير أننا لا نعرفهم، ذلك لأن إعلام السلطة الظلامى قد حال بينهم وبين الظهور.
وجاء فى تعليق آخر أن حديث فرنسيس بيكون فيه الكثير من التعميم والتحيز، فللشباب خبرات ومآثر وإبداعات، كما أن زعمه بأن الحكمة دائمًا تسكن فى أذهان الشيوخ والشياب ادعاء لا يخلو من التعصب، ولاسيما أنه كتب ما كتب وهو فى هذه السن المتأخرة.
أما أطرف التعليقات فجاء فيه: إن صاحبه يشك فى المعلومات التى حواها المقال، أضف إلى ذلك أن كتابات أولئك الفلاسفة فى هذا الموضوع (الشياب والشباب) لم تكن مباشرة، ولا يمكنه قراءة كل أعمال الفيلسوف لاستخلاص رأيه فيها. 
واقترح صاحب هذا التعليق أن يقوم الشباب المعنيون بهذه المساجلة وتلك القضية بإعداد الأسئلة التى تروق له فى هذه القضية والبحث عن إجاباتها فى مؤلفات الفلاسفة المحملة على النت لاختصار الوقت، والتأكد من صحة نسبتها إليهم وذلك بالضغط على زر «search» وقد لاقت هذه الفكرة ١٤٣٥ like وها هى النتيجة:- 
السؤال الأول: هل جان جاك روسو يتخذ من التلقين منهجًا للتربية والتعليم والتوعية والتثقيف؟ وهل يجعل من الشياب سلطة على أبنائهم وأوصياء على أفكارهم وسلوكهم؟ 
الإجابة: يؤكد جان جاك روسو أن كتابه «اميل أو فى التربية» هو مكمل لما كتبه عن طرائق إصلاح المجتمع وتثقيفه وتنويره موضحًا أنه من العبث إطلاق أى صيحة ثورية أو تخطيط لمشروع نهضوى دون أن يتضمن بابًا عن كيفية تربية الأبناء ورعايتهم من سن الطفولة والصبا، ثم يأتى دور الفيلسوف ويتوج هذا العمل بمخاطبة الشباب وتحديث عقولهم، وقد فعل روسو ذلك فى كتابه الذى أشرنا إليه.
ويقول فى ذلك: «لقد تتبعت بكل جهدى خيط تأملاتي، فوجدت فيها جميعًا نمو مبدئى العظيم، وهو أن الطبيعة جعلت الإنسان سعيدًا وطيبًا، ولكن المجتمع يفسده ويجعله شقيًا تعسًا، و«اميل»، بصفة خاصة هذا الكتاب الذى قرأه الناس كثيرًا ولم يفهمه إلا القليل منهم، وقد أساءوا تقديره وعجزو عن فهم مقاصده، والحق أنه ليس إلا رسالة تكشف عن الطبيعة الفطرية الخيرة للإنسان وتوضح كيف أن الرذيلة والخطأ غريبان عن كيانه وأصله الخير، فيفسدان أخلاقه على نحو تدريجي، وذلك بفعل السلطات الجائرة والمجتمعات الجاهلة والمعتقدات الفاسدة، فجميعها يتغلغل شيئا فشيئا حتى ينقلب الحُسن إلى قبح، فإن خالق الأكوان لم يصدر عنه إلا كل طيب وجميل، بينما لا ينتج الإنسان الجاحد بنعمة الخالق إلا فسادًا وقبحًا وآلاف الرذائل التى تبدد ما فطر الإنسان عليه.
ويضيف روسو أن من الأخطاء الكبرى للتربويين محاولتهم وضع برنامج لتأهيل الأفراد ليصبحوا مواطنين فى مجتمع ما أو فى دولة ما، والصواب فى أن يجتهد التربويون فى تنشئة الأطفال نشأة تؤهلهم للإنسانية فتنزع من قلوبهم حب الرذيلة وتحول بين عقولهم والأفكار المضللة، ومثل ذلك لا يتأتى إلا من أبوين مؤهلين للزواج – ذهنيًا وبدنيًا وروحيًا – وتربية النشء على قاعدة فسيحة من الحب والعدالة والحرية، فعن طريقها يرغبان الطفل فى كل فعل جميل ويعرقلان أمامه كل الدروب التى توصله إلى كل أشكال القبح والرذيلة وذلك دون أدنى توجيه أو تلقين منهما.
السؤال الثاني: ماذا عن الشباب الذين نشأوا بين أبوين جاهلين ولا يعرفان إلا العنف والاستبداد فى النصح والتوجيه، حتى فى أدق الأمور الخاصة غير عابئين بميولنا نحن معشر الشباب؟ وماذا عن المناهج الدراسية السخيفة والمقررات الشاغلة بالأخطاء العلمية التى تقدمها المدارس والجامعات؟ 
يجيب روسو من الخطأ أيصًا استخدام القهر أو العنف لتقويم السلوك أو الاستعانة بالمنطق أو النقاش العقلي، أثناء توجيه الأبناء فى سن الطفولة أو الصبا، وذلك لأن الطفل لن يصبح شابًا سويًا إذا تربى على العنف أو الانصياع قهرًا لأوامر أو حكم ومواعظ عقلية لا يستوعبها فى هذه السن المبكرة.
ثم يأتى دور المدرسة فينصح روسو بالعزوف تمامًا عن تلقين المعارف، فيرى أن كثرة المعلومات لا تفيد ذهن الطفل حتى إذا اختزنها أو حفظها، فالأفضل أن تعرض المعارف عليه باعتبارها إجابات عن تساؤلات أثارها بنفسه تبعًا لميوله الشخصية والمجالات التى تستهويه، فينبغى أن تكون العلاقة بين المعارف والذهن المتلقى هى الرغبة واللذة العقلية والحب، وعليه لا يجب على المعلمين توجيه الصبية أو تلقينهم علومًا يكرهونها أو خارج نطاق ميولهم الشخصية حتى ولو كانت أساسية ومفيدة. 
فالأحمق – فى رأى جان جاك روسو – هو الذى يحلم لأولاده ويختار لهم مراكزهم فى المجتمع – هذا طبيب، وذاك مهندس، أو قاض – فالغاية من تربية الذهن عند روسو هى تثقيف عقل الإنسان ليكون صالحًا، لينفع نفسه ويسعد الآخرين فى أى مجال وفى أى ميدان من ميادين العمل – فلاح، عامل، فنان – فاذا لم يحب الشاب عمله فلا جدوى من تعليمه ولا نفع، ومن ثم لا ينتظر منه الإجادة أو الإبداع، لأنه لم يحب ما تلقاه. 
السؤال الثالث: ماذا عن الجنس؟ وحقنا فى الاختلاط فمنذ سن المراهقة لا نسمع من أبنائنا إلا تحذيرات وموانع، هذا عيب وذاك حرام وتلك إباحية وقلة أدب وانحراف؟ 
يحذر روسو من كبت شهوات الشباب ولاسيما فى سن المراهقة – فالممنوع مرغوب – غير أنه يعود وينصح بضرورة تهذيبهم باللين والإقناع عن طريق التمثيل، فتصعد أنفسهم من درك الحيوانية إلى درج الإنسانية حتى يميز الشباب بين الأنانية والكرامة والغرور، وبين حقه فى ممارسة الجنس وليس التحرش أو الاعتداء على الجنس الآخر لقضاء متعة أو شهوة دون أدنى اعتبار للنظم الاجتماعية والعلاقات الانسانية، _ الغراب لا يزنى ولا يخون وكذلك الذئب - ولعل روسو أراد من الشباب التحلى بالعفة التى تحميهم من دنس الرذيلة التى عزف عنها العديد من الطيور والحيوانات. 
السؤال الرابع: ماذا عن الإيمان بالله والغيبيات والإلحاد وحرية الاعتقاد؟ 
ينتقل روسو إلى أقوى المعضلات التربوية وأخطر القضايا التى يثيرها الشباب، ألا وهى كيفية الإعداد الروحى والعقدى للشباب، يذهب روسو إلى أن الكنائس أو المساجد أو المعابد لا ينبغى عليها أن تفرض سلطتها الروحية أو العقدية على ذهن الشباب منذ طفولته، وذلك لأنها تشكل بالنسبة له سلطة تأمره بالانصياع والخضوع دومًا إلى أمور لا يدركها ولا يستطيع تفهمها، - الله، الجنة والنار، الأنبياء والرسل وعلة تعدد الديانات وتباين الشرائع – فيجب – عند روسو - أن يخير الشباب بين الإيمان أو الإلحاد بعد عرض كل الأمور العقدية والروحية ببساطة ووضوح أمام ذهن الشباب والإجابة عن كل تساؤلاتهم حيال العقيدة ليتخير منها تبعًا لقناعاته، وليس لرغبة الوالدين أو الدولة أو الأغلبية أو الجماعة أو العقل الجمعي، «من شاء فيؤمن، ومن شاء فليكفر». 
ولحديث روسو عن تربية الشباب بقية.......