وكأنه فيروس يطلق كتائب من المبرراتية وعلى كل لون وصنف، يجعلون
الباطل حقا، يكتبون ويتكلمون ويبررون ويزينون للحاكم بؤس ما يفعله فى حق الوطن.
فى واحدة من أجمل ما كتب الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم قال عنهم:
يا واد يا يويو/ يا مبرراتى يا جبنة حادقة على فول حراتي
أستك لسانك/ فارد ولامم
حسب الأبيح يا مهلباتي/ يا واد يا يويو يا مهلبية
فوق الصواني/ سايحة وطرية
فى كل جلسة تلبس قضية/ وتخيل عليها أوى يا مشخصاتي
يا واد يا يويو يا مبرراتي/ حسب الوظيفة وأنت وشطارتك
تظهر حلاوتك/ تظهر مرارتك
لو خفضوك ترتفع حرارتك/ لو صعدوك حالا
تنقلب جيلاتي/ يا واد يا يويو يا مبرراتي
وبالمناسبة/ وأنت اللى أدرى
كان لك تحفظ على المبادرة/ ليه النهارده بترش بدرة
يا ابن الأبالسة/ يا ملطفاتي
يا واد يا يويو يا مبرراتي/ والنهاية لك عندى كلمة
آخر طريقك زحل وضلمة/ حيث إن آخر القرع ضلمة
يا إما كفتة طرية/ من عند العجاتي
يا واد يا يويو يا مبرراتي
فى مختار الصحاح يأخذ الواد يويو أحيانا لقب ديوث وهو «القُنْذُعُ،
الذى لا غَيرةَ له»، والديوث يختلف عن القواد وهو ليس كذلك فالقواد هو من يدير عمل
العاهرة سواء كانت قريبة له أم لا أما الديوث فهو شرعا من يرضى الفجور فى أهله حتى
لو لم يكن هذا الفجور زنا وقال ابن منظور: «الديوث هو الذى لا يغار على أهله» لسان
العرب.
والديوث هى فى الفعل العامى تعنى التعريص، وكلمة تعريص ليست كلمة
قبيحة فى أصلها مثلما يتصور الأغلبية كمعظم مفردات «المعجم الوجيز للألفاظ
الإباحية» بل هى كلمات عادية دارجة اصطلح على أنها مفردات قبيحة.
كلمة تعريص تعنى فى اللغة المصرية الدارجة «الطبطبة على شىء معين»
وتستعملها النسوة فى صعيد مصر كثيرا بدون علمهم أنه تم إدراجها كلفظ قبيح فكثيرا
ما تستخدم من قبل النسوة اللاواتى يخبزن العيش «الشمسى» فتجد الواحدة منهن «تعرص»
على العيش أى (تطبطب) عليه بحنية مستخدمة الردة لإعطائه الشكل المستدير.
أما المعنى الأشهر للتعريص فقد جرت العادة إطلاق هذا اللفظ على عدة
صفات مثل الجُبن ونفاق الأقوى، وقهر الأضعف، وحب الاستقرار حتى لو على حساب
المستقبل، والتخاذل عن نصرة المظلوم بل ومهاجمته ولومه، والتماس العذر دائمًا
للظالم وغيرها من الصفات الشبيهة يمكن تلخيصها بلفظة مصرية عبقرية وهى «التعريص»
فى بحثها القيم عن أصول التعريص تقول الفنانة والباحثة بمركز البحوث الزراعية
(سلوى محسن) إن طبيعة المجتمع الذكورى شديد المحافظة الذى هيمن عليه التيار الأصولى
المتشدد، صكت كلمة «التعريص» وجعلت الوصمة الاجتماعية مقصورة على الجانب المتعلق
بشرف المرأة بينما سيادة عصور الاستبداد لقرون جعلت التعريص فى الشأن العام لا يصم
صاحبه بهذه الصفة.
وتتعلق صفة «العرص أو الديوث» بالحيوات الخاصة للمصريين، حيث تعبر عن
حق المجتمع فى إصدار أحكام أخلاقية فيما يتعلق بالسلوكيات الشخصية، وهو ما يقضى
على فكرة هذه الحريات من أساسه.
المعانى الكثيرة لكلمة عرص على المستوى الشخصي، تشير إلى كثرة
المجالات التى يدس فيها المجتمع أنفه فى شئون غيره، بينما حينما يتعلق الأمر بشأن
عام فقد لا توجد غضاضة فى أن يلعب المجتمع وأفراده دور المعرص – وهنا يكمن التناقض
فى استخدام المجتمع لكلمة «عرص».
معانى كلمة العرص لغويا: عَرَّصَ اللحمَ: أَلقاهُ فى العَرْصَةِ
ليَجفَّ عَرَّصَ اللحمَ: أَلقاهُ فى الجَمْرِ فاختلط بالرَّماد ولم يَجُدْ نُضجه
عَرَصَ «البَعِيرُ» وغَيْرُه: «اضْطَرَبَ» برِجْلَيْه وعَرِصَ البيتَ «تَغَيَّرُ
رائِحَةِ البَيْتِ» وخُبْثُهَا ونَتْنُهَا كذلِك رائحةُ لَحْمٌ مُعَرَّصٌ أَى
«مُقَطَّع» لَحْمٌ مُعَرَّصٌ: «مُلْقىً فى الجَمْر»ِ وقال ابن نجيم فى البحر
الرائق: يعزر بلفظ معرص، لأنه الديوث فى عرف مصر والشام.. وقال البهوتى فى كشاف
القناع: ويعزر بقوله: يا معرص، يا عرصة، وينبغي فيهما بحسب العرف أن يكونا صريحين
ونحوهما يا ديوث، وهو الذى يقر السوء على أهله، وقيل: الذى يدخل الرجال على
امرأته، وقال الجوهري: هو الذى لا غيرة له. أصل استخدام الكلمة على المستوى الرسمي:
فى سنوات الاحتلال كانت الحكومة تراقب البغايا بتخصيص أفراد من الشرطة للقيام
بالفحص الدوري المستمر لتراخيص البغايا والتأكد من صلاحيتهن والتضييق على العاملات
بدون ترخيص أو اللاتي لم يقمن بتجديد تراخيصهن!
لسبب لا يعلمه أحد سمى المصريون هذا الذى يقتحم بيوت الدعارة في أي
وقت باحثا عن تراخيص البغايا اسم العرص، أما لماذا هذه الكلمة بالذات فربما
دلالاتها اللغوية وما حملته هو ما دفع بالمصريين لوصف هذه الوظيفة حسب تصورهم
لها.. على مستوى سلوك الأفراد والمجتمع هناك مستويان لتعريف كلمة عرص؛ الأول هو
المستوى الشخصي فيما يتعلق بعلاقة الرجل بأهل بيته من الإناث تحديدا، ويوصم بالعرص
عديم النخوة أو الشرف، بمفهوم المجتمع للشرف الذى يدور حول المرأة في موضوع الجنس
فقط، في هذا المجال أتذكر صوت إحدى أمهات صديقاتي وهى تنهر ابنتها وتنصحها في ذات
الوقت «البت الشاطرة تعمل كل حاجة من غير ما تقلع لباسها»!!
ألو يا أمم.