السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أكتوبر 2018.. الحربُ لا تزالُ مستمرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على عكس ما قد يعتقده البعض من أن حرب أكتوبر كانت عام 1973 وانتهت بالنصر المؤزر على الكِيَان الصهيوني، وأننا نحتفلُ بهذا النصر من عامٍ إلى عام حتى وصلنا هذا العام إلى الذكرى الخامسة والأربعين، إلا أننى أدعى أن حربَ أكتوبر لم تنتهِ بعد، بل هى لا تزال مستمرة حتى يومِنا هذا، ولكنها حربٌ تخوضها كلُ القوى التى لا تريدُ الخيرَ لمصر سواء فى الخارج أو الداخل، قوى تتربصُ بنا الدوائر، وتنقبُ لنا عن ثغراتٍ معنوية ونفسية لاختراقنا، وتفتيت النسيج المتماسك للشعب المصرى العظيم الذى يربضُ على هذه الأرض منذ فجر التاريخ فى أولِ دولةٍ عرفها العالم، ولم يتفتت نسيجُ شعبها، لأنهم فى رِبَاطٍ إلى يوم يُبْعَثُون، ولم يفُتُ فى عَضُدِ جيشهِا البطل كلُ الحروبِ المرئية وغير المرئية التى يخوضُها عبر التاريخ منذ الهكسوس وحتى الكِيَانِ الصهيونى وعصاباتِ الإرهاب وقوى المؤامرة الكُبرى على مصر التى تساند هذا الكِيان الاستيطانى وهذه العصابات وتدعمها وتتحالفُ معها من أجلِ النيْلِ من تماسكِ الدولة، والتى لم تستطعْ أيةُ قوة على وجه الأرض أن تَحُلَ شفرتَها التى تستعصى على الفك فيما يشبه الشفرة النوبية التى استخدمتها القواتُ المسلحة أثناءَ حرب أكتوبر 1973 ضد الكِيَانِ الصهيونى فى المنطقة.
ما جعلنى أخرجُ بهذه النتيجة هو ما قاله الرئيسُ عبدالفتاح السيسى خلال أكتوبر الحالي، سواءٌ فى لقاءِ المُصارحة مع الشعبِ المصرى خلال الندوة التثقيفية الـ 29 للقوات المسلحة، أو فى لقائِه مع صحيفة «الشاهد» الكويتية.
قال الرئيسُ إنه عاصرَ هزيمةَ 67، ويتذكرَ كلَ التفاصيل وكل ما كُتب آنذاك عن تلكَ الهزيمة التى عاشَها فى ذلك الوقت رغم صِغَرِ سِنِه، وأضاف «إحنا عايشين دلوقتى معركة ليها مرارة لكن الفرق بينها وبين المعركة الأولى إن 67 واضحة وعارفين الخِصم والعدو». وقال الرئيسُ إن نتائجَ حربِ أكتوبر معجزةٌ بكلِ المعايير والحسابات، ورغم كل التحديات وشبح الهزيمة استطاع الجيش المصرى الصمود والقتال وإلحاق أكبر هزيمة للعدو، وإذا كان الجيشُ المِصرى استطاعَ أن يفعلَها مرة فإنه يستطيعُ أن يفعلَها كلَ مرة. وأكد الرئيسُ أن المعركةَ لم تنتهِ وما زالت موجودةً بمفرداتٍ مختلفة، فمعركةُ الأمس غيرُ معركةِ اليوم فى أدواتِها، والعدو والخِصم كان واضحًا وأصبحَ الآن غير واضح.
ولعل ما ذكره الرئيس هو أخطرُ ما قالَه على الإطلاق منذ توليه رئاسة الدولة منذ يونيو من العام 2013، ويُنبئُ عن كثيرٍ من الاستنتاجات منها أن مَن شعرَ بآلامِ الهزيمة لا يمكن أن يتجرعَها مرةً أخرى، ورغمَ صِغَرِ سِنِ الرئيس عام 1967، إلا أنه يُدرك جيدًا أن هذه الهزيمة كَم كانت مُرَة ومؤلمة وتَمَسُ الكِبرياءَ الوطنى لدولةٍ تضربُ بجذورِها فى أعماقِ الحضارةِ والتاريخ نال منها كِيَانٌ كان قِوَامُه الأساسى مجموعةً من العصابات الصهيونية التى روعت شعبًا مسالمًا واغتصبت أرضَه وحقَه فى الحياة الأبية الكريمة، واستطاعت مِصْرُ ردَ اعتبارِها وأجبرت هذا الكِيَان على أن يدفعَ ثمنَ ما ارتكبه من خطيئةٍ كُبرى أقدم عليها دون حسابات دقيقة للقوى والاستراتيجية والتاريخ العسكري. ومن الواضح أن هذا الكِيَان قد ساهم فى التخطيط للتآمر على الدولة المصرية بل والدول العربية التى نشبت فيها ثوراتٌ تم تغذيتُها بوسائل اتصالية حديثة وشركات اتصالات يعمل بها خبراءٌ من يهودِ العالم وعملاؤهم فى هذه الدول لكى يثيروا فيها الفوضى لإسقاطِها وإعادةِ تقسيمِها إلى «كانتونات» أشبه بـ «الجيتو اليهودي» على أرض فلسطين حتى تكونَ الغلبةُ لهم فى قيادة نظام الشرق الأوسط الجديد. ولكن الرئيسَ حذرَ من أن ما حدث فى 1967 لن يتكرر تارةً أخرى، ولن تُأخَذَ مِصْرُ على حِينِ غِرةٍ من أهلِها وجيشِها؛ مِصْرُ ذاقت طعمَ الانتصارات فى أكتوبر 1973، ومستعدةٌ لخوضِ هكذا حرب فى كلِ وقتٍ وحِين على كلِ الأصعدة المعلوماتية والتكنولوجية والعسكرية والاقتصادية والاستخباراتية. ولعلنا ندركُ الآن حكمةَ الرئيسِ البالغة فى تحديثِ الجيشِ المصرى الذى أُنفق عليه ملياراتُ الدولارات استعدادًا لمواجهة أيةِ مغامرة طائشة من أيةِ قوة فى المنطقة، لقد أصبح لهذا الوطن درعٌ وسيفٌ منذ أكتوبر 1973، وأبدًا لن يَسْقُطَ هذا الدرع ولن يُغْمَدَ هذا السيف حتى تنتصرَ مِصْرُ على كلِ أعدائِها فى الداخلِ والخارج.
وإذا كان أعداءُ الخارج نعلمُهم جيدًا، فإن أعداءَ الداخلِ أشدُ وطأةٍ علينا، هم الطابورُ الخامس الذين يتحالفونَ مع كلِ عدو، هم الذين لا يتورعون عن غَمْسِ أيديهم فى دماء بنى جَلْدَتِهِم، هم مَن يستهدفونَ مَن يقومونَ بحمايتِهم من رجال الجيشِ والشرطة، هم مَن يستهدفونَ مَن يُرسون العدلَ على وجه أرضِنَا الطيبة من القُضَاةِ الأجلاء، هم مَن يُفَجِرُونَ بيوتَ اللهِ من مساجدَ وكنائس بكلِ مَن فيها من مؤمنينَ يذكُرونَ اللهَ كثيرًأ، هم مَن قاموا بتفريخِ كلِ الجماعاتِ والتنظيماتِ الإرهابية فى نصف القرن الماضى بدايةً من «التكفير والهجرة» مرورًا بـ«الجماعة الإسلامية» و«أنصار بيت المقدس» و«الجيش الحر» وانتهاءً بـ «داعش» وحركة «حسم»، هم مَن قادوا «الفوضى الخلاقة» فى مصر واليمن وليبيا وسوريا وتونس، هم الذين يؤمنون بغيرِ كتابِ الله، بل يؤمنون بكتاب «إدارة التوحش» الذى يُمُثِلُ العقيدةَ القتالية لتنظيمِ «داعش»، هم الذين يأتونَ الأرضَ من أطرافِهَا ليُنْهِكُوا الجيشَ والشرطة والشعب ليُقيموا على هذه الأرض «الخلافة» المزعومة، هم الذين استقطبوا العناصرَ الإرهابية من كلِ فجٍ عميق ليُقيموا «ولاية» سيناء على الطرف الشرقى لمصر ومنها ينطلقون إلى أطرافٍ أخرى فى الغرب والجنوب، هم مَن استقطبوا الضابطَ السابق الخائن لشعبه وجيشه ووطنه الإرهابى هشام عشماوى الذين وعدوه بأن يكونَ أولَ وزيرِ دفاعٍ لـ «الجيش الإسلامي» المزعوم بعد أن يتم تفكيك الجيش المصرى من خلالِ آلياتِ «الإنهاك والإرباك» التى تمارسها قُطْعَانُ الإرهابيين من الشرق والغرب.. هم «الإخوان» الخوانين فاحذروهم.
ولأولِ مرة يُحدد الرئيسُ «الإخوان» فى حديثٍ له، بعدما كان يسميهم «أهلَ الشر»، وهو ما يُوحى بأنهم العدو الداخلى الذى لا يفتأُ يستهدفُ الدولةَ المصرية ليلًا ونهارًا، ورغم الفرص التى سنحت لهم لكى يعودوا عن غَيهِم وضَلالِهم إلا أنهم تمادوْا فى العَدَاوة التى ستُوردهم مواردَ الهلاك سواء بأيديهم أو بأيدى المؤمنين من هذا الشعب المتماسك البطل أو من جيشه الأبى أو من شرطته المرابطة.
إن «الإخوان» هم عدوُنا الأخطر لأنهم يعيشون بين ظهرانينا، ويفترونَ الكذبَ على الله، ويقولون إنهم طلابُ دين فى حين أنهم طلابُ دنيا وسلطة، وقد توعدهم الله فى كتابه العزيز «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» (هود، الآية 18).
وإذا كانت ثمةُ حربٍ أخرى نخوضها فهى حربٌ إعلامية هدفها «استعادة الوعي» بالتحديات التى نواجهها، فكما قال الرئيس إن الوعى المنقوص والمزيف هو العدو الحقيقى، والجزء الأكبر من التحدى هو إعادة ُبناءِ الوعى.