«من جوليو ريجينى إلى حكاية خاشقجى والقس الأمريكي»..! قد يتساءل أحدهم عن الرابط الذى يجمع بين الرجال الثلاثة، الباحث الإيطالى جوليو ريجيني، الصحفى السعودى جمال خاشقجي، القس الأمريكى أندرو برانسون.
بقراءة سطحية قد لا تجد رابطا يجمع القصص الثلاث، خاصة وأن الأزمات التى نشأت عنها تبدو ثنائية الطابع باستثناء واقعة اختفاء الصحفى السعودى التى أسفرت حتى الآن عن ما يمكن تسميته دخول المملكة العربية السعودية فى مواجهة مفتوحة مع عدة أطراف دولية.
لكن المتابعة الدقيقة للأحداث تكشف أن المصالح الأمريكية والغربية فى المنطقة هى الرابط الحقيقى الذى يجمع بين ما جرى مع الرجال الثلاثة، ووسائل الإعلام الغربية ومنظمات التمويل المشبوهة والتنظيم الإرهابى والمناهضين للدولة المصرية أحد أدواتها لخلق الأزمة وتصعيد الضغوط.
قد يقول قائل وما دور النشطاء المصريين المناهضين لدولة الثلاثين من يونيو فى واقعة اختفاء الصحفى السعودى وما علاقتهم بقصة القس الأمريكي؟! حسنًا لنبدأ من هذه النقطة.
بداية لا يمكن استبعاد هذه الأدوات من معادلة أدوات الضغط التى تستخدمها أجهزة المخابرات والدول الداعمة للتنظيم الإرهابى فقد سبق وأن استعملت لترويج شائعات وأكاذيب من شأنها الإساءة للعلاقة بين مصر وحلفائها فى منطقة الخليج، وتم توجيهها لشن حرب شائعات شعواء على المستوى الداخلى بلغت ذروتها بنشر 21 ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر.
أيضًا هذه المجموعات قامت بالترويج لأكاذيب الصحافة الغربية بشأن قضية مقتل جوليو ريجينى ونظمت وقفات أمام السفارة الإيطالية اتهمت خلالها أجهزة الأمن المصرية باختطافه وتعذيبه وقتله.
وللأسف استضاف الإعلام المصرى بعضهم ليلقوا بتلك التهمة البشعة فى وجه الحكومة المصرية على الملأ ولم تتم محاسبة أيا منهم رغم أنهم قاموا بالإدلاء بمعلومات لم تثبتها أية تحقيقات من الجانبين المصرى والإيطالي.
تسامح الحكومة المصرية مع تلك العناصر وعدم ملاحقتهم قانونيًا كاد أن يودى بالعلاقة المصرية الإيطالية رغم المصالح الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية والسياسية التى تربط بين البلدين.
وجاءت نجاة سفينة العلاقة بين الدولتين على يد الصحف الإيطالية ذاتها التى أعلنت تلقيها رسائل إلكترونية من عناوين بريدية مجهولة تؤكد على لسان مصادر أمنية مجهولة أيضا تورط أجهزة الأمن المصرية.
حتى الآن لم يعلن عن توصل التحقيقات إلى نتائج واضحة، ومع ذلك نجد ذات المجموعات ونشطاءها على مواقع التواصل الاجتماعى يطلقون أحكامًا نهائية بتورط المملكة السعودية فى اختفاء وقتل خاشقجي، وقد نشطت تلك الصفحات فى نقل كل ما تنشره وسائل الإعلام الغربية استنادًا على الروايات التركية بشأن الحادث، ولم يخف من يمثلون هذه المجموعات فى بعض وسائل الإعلام ميلهم إلى اتهام المملكة السعودية المسبق وقبل إجراء أى تحقيق.
الإعلام الغربى تعامل مع قضية خاشقجى بنفس طريقة التعامل مع قضية ريجينى وراح ينشر الادعاءات التركية منسوبة إلى مصادر مجهولة حول قيام عناصر مخابراتيه سعودية بقتل خاشقجى وتقطيع جثته وهى ذات المعلومات التى يتداولها الإعلام القطرى والإخوانى الموجود فى تركيا وبريطانيا.
الكل لم ينتظر نتائج التحقيقات رغم أن الحكومة التركية أعلنت قبل أيام موافقتها على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة مع المملكة السعودية، أى أن الأتراك أنفسهم يقرون بضرورة إجراء تحقيق للوقوف على ما جرى.
فى السياق تأتى محكمة تركية لتقضى بإدانة القس الأمريكى أندرو برانسون بتهمة الإرهاب ودعم حزب العمال الكردستانى وحركة فتح الله جولن المعارض، ولكنها أيضا تقضى بإخلاء سبيله والاكتفاء بالمدة التى أمضاها فى فترة احتجازه وتحديد إقامته بحجة حسن سلوكه ومراعاة لظروفه الصحية.
المناهضون لدولة الثلاثين من يونيو والذين اعتادوا على اتهام القضاء المصرى لم يلفت انتباههم التحول المفاجئ فى الموقف التركي، ولو حدثت واقعة مشابهة فى مصر لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها.
يعود برانسون إلى واشنطن ويستقبله الرئيس الأمريكى ليعلن أن عودة القس خطوة مهمة لاستعادة العلاقات الاقتصادية مع تركيا.
فى ذات الوقت يزداد التصعيد التركى الغربى ضد الرياض فبينما الأولى تطلق المزيد من الشائعات والتكهنات دون إظهار دليل واحد سارعت بعض العواصم الأوروبية والولايات المتحدة إلى التعامل مع المملكة السعودية كمتهم تم إدانته ومن ثم وجب عقابه.
وبالفعل أعلنت وسائل إعلام ومؤسسات اقتصادية أمريكية وبريطانية عن مقاطعة مؤتمر «دافوس الصحراء» الذى تنظمه المملكة السعودية نهاية الشهر الجاري، وخرجت تسريبات تفيد أيضا بمقاطعة كل من وزير التجارة الدولية البريطانى ووزير الخزانة الأمريكى المؤتمر.
وزاد دونالد ترامب على ذلك ضرورة معاقبة المملكة حال ثبت تورطها فى اختفاء وقتل خاشقجي، ذات المعنى أورده وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإنجلترا فى بيان مشترك.
وفق تحليلات خبراء عسكريين مصريين ترتبط إيران بعلاقات استراتيجية سرية مع الولايات المتحدة ويؤكد هذا المعنى الصحفى الإسرائيلى المتخصص فى الشئون العسكرية «رونين برجمان» فى تقرير بصحيفة يدعوت أحرنوت بقوله إن جهات أمريكية ترتبط بعلاقات وثيقة بإيران وقطر ضغطت على ترامب ليعلن فرض عقوبات على الرياض، واللافت فى تقرير برجمان قوله إن إسرائيل تتحفظ على ما ينشره الإعلام القطرى والتركى بشكل عام، رغم مصارعة الإعلام الغربى إلى ترديده لافتا إلى استحالة تمكن ساعة آبل من تسجيل ونقل صور وفيديوهات من الناحية التقنية، فى إشارة ما نشره الإعلام الغربى نقلا عن مصادر تركية عن وجود صور وفيديوهات تم الحصول عليها من خلال ساعة آبل كان يرتديها الصحفى السعودي.
ويبقى أن استهداف استقرار السعودية سينال حتما من استقرار الخليج الظهير المصرى فى منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يفسر فرحة المناهضين لدولة الثلاثين من يونيو بالأزمة فلم يكتب أي منهم سطرًا واحدًا فى عزاء خاشقجي، ذلك أن وجود توتر سياسى حاد فى تلك المنطقة سيؤثر بالسلب على الدولة المصرية وسيكون حتما فى صالح امتداد النفوذ الإيرانى والتركى ويمكن قطر من مواصلة دورها التقليدى فى دعم الجماعات الإرهابية داخل مصر.