الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل الحب حقًا أعمى؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحب عاطفة جميلة ورائعة، وبوصفه عاطفةً يُعْمِى صاحبه عن رؤية حقائق الأشياء، ومن هنا جاء القول بأن «الحب أعمى». العواطف عمومًا سواء أكانت حبًا أم كرهًا أم غضبًا تغيب العقل، لذلك يُنْصَح الباحثون العلميون باستبعاد عواطفهم من مجال البحث العلمي، حتى تأتى أبحاثهم متصفة بالموضوعية والدقة والإحكام.
يرى البعض أن الحب هو مفتاح كل ما هو عظيم فى هذه الحياة، فى حين يؤكد آخرون أنه مجرد وهم من الأوهام، وإننا نسعى عن طريق الحب إلى امتلاك المحبوب. ويذهب آخرون إلى أن معظم الشرور فى العالَم إنما مصدرها تلك العاطفة الزائفة التى يسمونها الحب. 
هل الحب كعاطفة تقتصر على الإنسان وحده، أم أن الحيوان أيضًا يحب؟ يتحدث البعض عن «حب الطيور» و«حب الحيوانات» سواء كانت حيوانات أليفة أو حتى متوحشة و«حب الحيوان للإنسان» حتى يقال: إن الكلب قد يموت حزنًا وكمدًا بسبب موت صاحبه!! ومع هذا يؤكد بعض المفكرين أن الحب ظاهرة إنسانية صرفة، وأنه لا وجه للمقارنة إطلاقًا بين عاطفة الحب لدى الحيوان، والمشاعر الإنسانية التى تجمع بين رجل وامرأة، تلك المشاعر التى تدفع الواحد منهما إلى أن يهب نفسه للآخر، لابد أن نعترف أن الإنسان نجح فى إضفاء شكل جديد وجميل ورائع على الحب. الطبيعة منحتنا الحب على نحو فطرى وبصورة حيوانية، ونجح الإنسان فى أن يرقى بهذه الصورة الحيوانية ويسمو بها ويخلع عليها رونقًا وبهاءً. الحب يعطى للوجود الإنسانى معنى، ويعمق شعور المرء بذاته، ويضفى على حياة الإنسان ضياءً وبهجة، ونشعر مع من نحب أننا وُلدنا من جديد، وننظر إلى كل ما يحيط بنا وكأننا نرى الأشياء لأول مرة. الفرحة تغمر قلوبنا حين نحب، نسعد بكل شيء، ولأى شيء، قد لا نعرف سببًا لهذه السعادة. لكننا نعيش السعادة وحسب، لأننا نعيش الحب. 
على الجانب الآخر، فإن كوارث كثيرة أصابت البشرية وراحت ضحيتها أعداد غفيرة من الناس الأبرياء قد تسببت فيها قرارات سياسية خطيرة، نجمت عن عواطف جامحة كان يقف وراءها الانفعال الشديد دون تعقل أو تروٍّ. وإذا أردنا أن نورد أمثلة على تلك الكوارث، فسوف يطول بنا المقام ولن ننتهي، فصفحات التاريخ مليئة بهذه المحن والمآسى والكوارث.
وعلى مستوى حياة الأفراد العاديين، فكم من عشرات الآلاف من الأشخاص يقبعون سنوات طويلة من عمرهم وراء القضبان بسبب لحظة لم تستغرق ثوانى قليلة، استسلموا فيها لفورة العاطفة فأصابهم العمى وارتكبوا جريمتهم إشباعًا لعاطفة الغضب أو الكراهية أو الحب أو الرغبة فى الانتقام أو الرغبة فى الثأر أو الرغبة فى الجنس... إلخ. 
والرغبات فى ظنى تعمل عمل العواطف، حيث إن جميعها انفعالات تعمى العقل والحس السليم عن رؤية الواقع الحقيقى للأشياء.
تصل حالات الحب ببعض الناس إلى حالات شبه مرضية، يفنى المحب فى محبوبه، فإذا كان رجلًا مثلًا يتفانى فى حب محبوبته، وأحيانًا يكون الحب من طرف واحد، هى لا تدرى عنه شيئًا، ومع ذلك لا يغمض له جفن ويسهد ليلًا حبًا فيمن لا تدرى عن حاله شيئًا.. 
أليس هذا نوعًا من الهبل؟! 
وهناك حالة تهمنا كثيرًا لأنها تتعلق بعمى الحب، وهى أن المحب يرسم صورة وردية للمحبوبة، لا توجد هذه الصورة إلا فى خياله هو، يحب ويعشق الصورة التى فى رأسه فإذا كانت المحبوبة زوجته مثلًا، فهو يرى أن زوجته هى أجمل امرأة وأفضل زوجة وأكثر زوجات الدنيا إخلاصًا لزوجها، ويتعامل معها على هذا الأساس. وهذا الزوج ليس غبيًا أو معتوهًا حتى يغفل عن أن هذه الصفات وبخاصٍة صفة الوفاء والإخلاص ليست متوفرة فى زوجته، وأن أصدقاء العائلة والجيران يعرفون عنها ذلك عدا هو، لا لغبائه، ولكن لثقته بها ولحبه الشديد لها. إنه يثق بها ثقته بنفسه، لذلك لا تتسرب إلى قلبه ذرة شك واحدة نحوها. وقد يكون الأمر على العكس، زوجة تثق بزوجها وتطمئن إليه نتيجة لحبها الشديد وثقتها البالغة به، ويكون هو ليس أهلًا لهذا الحب أو جديرًا بهذه الثقة. 
ولكن لماذا قلنا: «الحب أعمى»؟ لأنه يعوق القدرات والمدارك العقلية عن تأدية دورها المنوط بها. ومن الأمثلة الشعبية التى تصب فى هذا الاتجاه الذى يؤكد على أن الحب أعمى، القول بأن «حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط»، و«القرد فى عين أمه غزال»، و«من يشهد للعروسة»؟. 
كل هذه الأمثلة تكشف عن أن الحب يُزيِّن فى أعيننا ما هو ليس حسنًا. والعكس صحيح، الكراهية تـُقبِّح فى أعيننا ما هو ليس قبيحًا. من المهم أن نكون على وعى بذلك.
من النوادر الطريفة التى ما زالت ذاكرتى تحتفظ بها، أننى فى أيام شبابى تعرفت على زميلة لى أثناء دراستى الجامعية، وكانت على قدر كبير من الجمال، كانت حقًا فائقة الحسن، فى حين أننى كنت متواضعًا جدًا فى الشكل والمظهر، فلم أكن فى وسامة الممثل المصرى «حسين فهمي» الشهير مثلًا، لا من قريب ولا من بعيد. لا تشابه بينى وبينه إلا فى الاسم «حسين». المهم أن علاقتى بزميلتى توثقت، ونشأت بيننا صداقة حميمة، وكان يحلو لنا التنزه على كورنيش النيل، وفى إحدى المرات كانت تتأبط ذراعي، أثناء حديثى إليها، وهى تنظر إلىّ وابتسامتها العذبة تضيء وجهها الجميل، فى تلك اللحظة مرق بجوارنا شابان، ما إن تجاوزناهما بمسافة صغيرة، حتى سمعت بصوت واضح أحد الشابين يقول لصاحبه: انظر.. هذه الفتاة الجميلة!! هل لم تجد سوى هذا البنى آدم المنيل كى تمشى معه!! أنا فى نظرهما «منيل»، لكن فى نظرها هى أجمل من «حسين فهمي»!!
ألم أقل: «الحب أعمى»؟!