الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ملتقى البرلس ومهرجان طنطا للشعر نجوم تضيء خارج القاهرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن هناك علاقة متبادلة بين الفن والمجتمع شئنا أم أبينا، فالفنان ابن بيئته يتأثر بها ويؤثر فيها، لا أحد يستطيع إنكار ذلك مهما تعالت الأصوات المؤيدة لنظرية الفن للفن، فى هذه الفترة بالذات من عمر الوطن، وبعد القلاقل والهزات المتتالية التى حدثت بعد ثورة يناير 2011، شاهدنا تغطية تمثال عروس البحر أمام أعيننا، والتهديد بتكسير التماثيل واستهداف كل ما هو جميل وكل ما له علاقة بالتسامح، وقبول الآخر والمواطنة، سمعنا بعض الفتاوى التى تتنافى مع الفطرة البشرية، وما يحاول طمس حضارتنا الفرعونية كتحريم الاحتفال بشم النسيم، وكنت أقول فى نفسى ترى ماذا سيحدث لو عرض التليفزيون باليه «بحيرة البجع أو جيزيل»، وماذا سيحدث لو لا قدر الله سمعوا كارمينا بورانا لكارل أورف؟ كانت تلك الفترة هى الأسوأ والتى عشتها، وأنا لا أتوقف عن التفكير مثل الكثيرين من أبناء الوطن المهمومين به ممن حضروا معى مؤتمر ثقافة مصر فى المواجهة عام 2013 وساهموا بأبحاث أو شاركوا فى موائد مستديرة بالمجلس الأعلى للثقافة، فى محاولة لاستعادة ما فقدناه. أو كيفية استعادته، لا شك أننا جميعا قد ساهمنا قدر استطاعتنا على فيس بوك وتويتر ومع جيراننا، لكنها كانت فقاعات من معارك مكتومة تتصاعد ثم ما تلبث أن تنفجر تاركة بعض الإصابات على مستوى العائلة الواحدة، كنا جميعا نقاتل فى أماكننا الصغيرة، نشتبك مع الحياة على مستوى الشارع والعائلة ونتصدى ليس بالقتال أو الشتائم والتشويه التى كان الطرف الآخر يجيدهما، بل بنشر ما نؤمن به من أفكار ودحض ما يثيرونه من شائعات هدامة والالتفاف حول راية الوطن، كان هذا هو الحال فى مصر، كان الأمر حسب قوانين الفيزياء يزاح من العاصمة إلى الأطراف، حيث لا تتوافر ثقافة مضادة قوية بقوة العاصمة، فيحتاج الأمر إلى فترة زمنية أطول للمكافحة، نظرا لحالة الالتهاب والتأزم المجتمعية التى خلفتها هزيمة تلك التيارات سياسيًا والتى أدت فى بعض الأحيان إلى غلق الأبواب والنوافذ فى وجوهنا بمجرد أن يسمعوا أغنية «تسلم الأيادى» رنة لتليفوناتنا أو صادرة من بيوتنا، ومنها أيضا أن نسمعهم يدعون الله ويبتهلون لهلاكنا نحن وأولادنا، ويكتبون على جدران الشقق وحوائط العمارات ويشيعون أن الجيش هو من يقتل جنوده وليس الإرهابيون. من هنا كان لا بد من الانتباه إلى كل ما هو خارج العاصمة، إلى السواد الأعظم من الشعب، إلى الأجيال الجديدة إلى الأطفال وبشكل جاد وفق مصطلح القوة الناعمة لجوزيف ناي، التى وصفها بالقدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة الإقناع الأخيرة، للتأثير على الرأى الاجتماعى والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية، أعلم أن كل مثقف بالطبع تغريه العاصمة، حيث الجمهور الواعى وأضواء يستحقها كتابه أو لوحته، لكن أصحاب الرسائل منهم ينسون أنفسهم ولا يقاتلون سوى بالقلم والفرشاة والألوان وغيرها من أنواع الفن بشكل عام، هناك تجربتان رائدتان تستحقان الإشادة والاحتفال والاحتفاء بهما، أهم ما يميزهما أنهما تنفذان خارج القاهرة وأن أصحابهما أصحاب رسالة ناجحين ومتحققين ودورهم لا يقل عن دور الجندى الذى يحارب الإرهاب، فى الأولى مهرجان طنطا الدولى للشعر، والذى يقيمه الإعلامى والشاعر محمود شرف وكتيبة المحبة ممن معه والذى يحضره العديد والعديد من شعراء مصر والعالم، والذى يؤدى دوره التنويرى ليس فقط فى جامعة طنطا وجامعة بدر فقط. بل فى طنطا وفى المدن القريبة منها ومراكز الشباب بالقرى المحيطة والتحدى الأعظم أنه لقصيدة النثر وللشعر المترجم للشعراء الضيوف.. هكذا لا يقوم محمود شرف بدور ثقافى فقط، بل بدور سياحى وإعلامى بما يعود به ضيوف المهرجان من ذكريات جميلة ومن وعى بعد التحامهم بالمصريين وجها لوجه وهو ما يسهم بشكل قاطع فى دحض الأكاذيب الإعلامية التى تنشرها المنابر الكارهة لمصرنا الحبيبة وهو ما ينبغى أن نقدم له الشكر عليه وتمنى نجاحها ودعمها من عام لعام. والتجربة الثانية، التى لا تقل أهمية عنها هى ملتقى البرلس الدولى الذى يقيمه الفنان الكبير الدكتور عبدالوهاب عبدالمحسن فى محافظة كفر الشيخ للرسم على الحوائط والقوارب ونشر ثقافة الجمال من حوله لترتقى ذائقة المواطن ولإيمانه بدور الفن هذا الملتقى الذى يعمل كمنارة عالمية يشارك به فنانون من جميع أنحاء العالم ومصر، بل ويحرص على استضافة أعداد من طلبة الفنون الجميلة وتقديم ورش عمل للأطفال الذين يعول عليهم ويؤمن بدورهم المقبل فى حماية هذا الوطن بما يحملونه من محبة وانتماء وقدرة على التصدى لأية أفكار هدامة، وله بالطبع نفس المردود الإعلامى والسياحى والثقافى لتجربة طنطا، أقدم التحية لمحمود شرف وعبدالوهاب عبد المحسن كجنديين على جبهة الوعى يقاتلان بشرف. وأثمن دورهما ومن معهما من كتائب الوعى، وأتمنى أن تتكرر فى جميع المحافظات، لأننى أؤمن بأن الثقافة حبيسة الجدران لا تسمع إلا نفسها.